بعد أن انكسر حاجز الخوف والارهاب بفضل تضحيات والده الحسين (ع)، تقدّم المجتمع الاسلامي خطوة بعيدة المدى على طريق عزّته والتخلص من ذله، وعمل زين العابدين (ع) على شدّ أفراد المجتمع بالله، ليقطع خطوة رحبة أخرى على طريق تحقيق العزّة، والتخلّص من الذل.
وممن بقي من آل رسول الله في كربلاء علي بن الحسين (ع) فقد شاء الله أن يبقى سالـماً بسبب مرضه. وكان ذلك من فضل الله على هذه الأمة، فقد واصل مسيرة العزّة والكرامة بخطبه ومواقفه، لكن الأبرز في هذا الامام هو أنه انتهج سبيل الدعاء ليربط الناس بالعزيز المطلق والقوي المطلق سبحانه.
قلّ من تطرّق من كتّاب تاريخ الادب العربي الى أدب الدعاء وما فيه من قيمة فنيّة، وما تركه من تأثير على الاساليب العربية في مختلف العصور.
وبين أيدينا اليوم ثروة تربوية وأدبية في حقل الدعاء بفضل ماتركه لنا – بشكل خاص – الامام علي بن الحسين (عليه السلام) المعروف بزين العابدين. لقد واصل هذا الامام جهود والده الحسين لاستعادة «العزّة» الى المجتمع الاسلامي، ولكن بأسلوب يتناسب مع طبيعة الفترة التي عاشها.
بعد أن انكسر حاجز الخوف والارهاب بفضل تضحيات والده الحسين (ع)، تقدّم المجتمع الاسلامي خطوة بعيدة المدى على طريق عزّته والتخلص من ذله، وعمل زين العابدين (ع) على شدّ أفراد المجتمع بالله، ليقطع خطوة رحبة أخرى على طريق تحقيق العزّة، والتخلّص من الذل.
سلك الامام سبلا عديدة في منهج التربية النفسية، منها شراء العبيد، وتعليمهم وتحريرهم، ومنها تربية فئة صالحة نشرها في الاقطار لتكون قدوة حيّة لأخلاق مدرسة أهل البيت، ومنها نشر الدعاء والابتهال على ألسن الناس، في أساليب تجعل الأفراد – حين يتلونها – يستشعرون العزّة في الله، والقوّة بالله، والغنى بالله، وتربيّهم على أن لايذلوا أنفسهم في سبيل استرضاء من بيده القوة والمال، ولايبيعوا ذممهم بعَرَض زائل من الحياة الدنيا. ولو أمعنا النظر في أساليب هذه الادعية ومضامينها، لوجدناها تركز بأجمعها على مخاطبة النفس البشريّة في سياق خطابها مع الله سبحانه، لتنقذ هذه النفس الامارة من الذلّ والضعف والانحدار.
انظر الى هذه الفقرة من دعاء زين العابدين الذي رواه ثابت بن دينار المعروف بأبي حمزة الثمالي (ت 150هـ) : –
«سيدي ، أنا الصغير الذي ربيّته، وأنا الجاهل الذي علمته، وأنا الضالّ الذي هديته، وأنا الوضيع الذي رفعته، وأنا الخائف الذي آمنته، وأنا الجائع الذي أشبعته، وانا العطشان الذي أرويته ، وأنا العاري الذي كسوته، وأنا الفقير الذي أغنيته، وأنا الضعيف الذي قوّيته، وأنا الذليل الذي أعززتَه، وأنا السقيم الذي شفيتَه، وأنا السائل الذي أعطيته، وأنا المذنب الذي سترتَه، وأنا الخاطئ الذي أقلته، وأنا القليل الذي كثّرته، وانا المستضعف الذي نصرته، وأنا الطريد الذي آويتَه..».
يشدّ هذا الدعاء نفس الانسان الضعيفة ببارئها القوي العزيز الكريم، لتستشعر العزّة به سبحانه دون سواه، ولتتوجه اليه في الحاجة دون غيره ، كل ذلك بعبارات ذات إيقاع موسيقي مؤثّر، فيها ألوان الجمال والابداع.
ومن دعائه أيضا :-
«اللهم اجعلني من الذين جَدّوا في قصدك فلم يُنكِلوا، وسلكوا الطريقَ اليك فلم يعدِلوا ، واعتمدوا في الوصول اليك حتى وصلوا،فرويت قلوبَهم من محبّتكَ، وأنِسَت نفوسهم بمعرفتك، فلم يقطعهم عنك قاطع، ولا منعهم عن بلوغ ما أمّلوه لديك مانع، فهم فيما اشتهت أنفسهم خالدون (لايَحزُنُهم الفزعُ الاكبر وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون) …».
إنه قبل كل شيء توطين النفس على مواصلة السير نحو الله دون تردّد ودون زيغ وانحراف.
وهذا نصّ آخر من أدعية الامام زين العبادين.
«اللهم فاجعل نفسي مطمئنة بقَدَرك، راضية بقضائك، مُولَعَة بذكرك ودعائك، محبّة لصفوة أوليائك، محبوبة في أرضك وسمائك، صابرة على نزول بلائك، شاكرة لفواضل نعمائك، ذاكرة لسوابغ آلائك، مشتاقة الى فرحة لقائك، متزوّدة التقوى ليوم جزائك، مستنّة بسُنَنِ أوليائك، مفارقة لأخلاقِ أعدائك، مشغولة عن الدنيا بحمدك وثنائك».
بنفس هذا الاسلوب الفني ، يبين الامام طموح الانسان المؤمن في الحياة ومنهجه في السلوك مع ربّه ومع الناس.
جمعت أدعية الامام زين العابدين في «الصحيفة السجادية» وتسمى زبور آل محمد(صلى الله عليه وآله). واستدرك عليها العلماء فاخرجوا الصحيفة السجادية الثانية والثالثة و.. وكان آخرهم الشيخ المازندراني الحائري إذ أخرج الصحيفة السجادية السادسة.
المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية/