هل يجب نصرة المظلوم؟

هل يجب نصرة المظلوم؟

إنّ من أوجب الواجبات على أبناء الأمة، وخصوصاً أهل العلم منهم سعيهم لرفع الظلم عن المظلومين من البرية، إذ السكوت عن ذلك من المهالك الردية، ولقد كان من دأب خلّص الموالين لأهل بيت النبوة والرسالة عليهم السلام نصرة المظلوم على الظالم حتى في أحلك الظروف ظلمة، ولم يقتصر دفاع علمائهم على المظلومين من المسلمين، بل تعدّاه إلى المناداة برفع الظلم عن أهل الذمّة الذين يعيشون بينهم وفي جوارهم لأنّهم يعتبرون نصرة المظلوم واجباً دينياً وأخلاقياً على كل من شهد الظلم، ويملك القدرة على رفعه أو الحد منه، ويعتبرون ذلك من أفضل الطاعات، وأعظم القربات إلى الله عزّ وجلّ حيث إنّ الله تعالى أقسم بعزّته على نُصرة المظلوم، فقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم في وصيّته: “يا علي أربعة لا يُردّ لهم دعوة إمام عادل، ووالد لولده، والرجل يدعو لأخيه بظهر الغيب، والمظلوم يقول الله عزّ وجلّ: وعزّتي وجلالي لأنصرنّك ولو بعد حين”[1]. انطلاقاً من ذلك وتنفيذاً لأمر الذي ما ينطق عن الهوى صلى الله عليه وآله وسلّم حيث روى حفيده الإمام الصادق جعفر بن محمد عن آبائه الكرام قال: “أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم بسبع: أمرهم بعيادة المرضى، واتباع الجنائز، وإبرار القسم، وتسميت العاطس[2] ونصر المظلوم، وإفشاء السلام، وإجابة الداعي”[3]، وكان صلى الله عليه وآله وسلّم يشحذ همم المسلمين ويحثّهم على نصرة المظلوم فورد عنه: “ومن أخذ للمظلوم من الظالم كان معي في الجنة مصاحباً”[4].

وورد عنه صلى الله عليه وآله وسلّم: “ومن مشى مع مظلوم يعينه، ثبّت الله قدميه يوم تزلّ الأقدام”[5]. فمن مقتضيات العدل نصرة المظلوم، وتكون النصرة بتقديم العون له متى احتاج إليه، ودفع الظلم عنه إن كان مظلوماً، وردعه عن الظلم إن كان ظالماً تحقيقًا لقول المصطفى صلى الله عليه وآله وسلّم “انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، فقيل: يا رسول الله كيف أنصره ظالماً؟ قال: تردّه عن ظلمه، فذلك نصرك إيّاه”[6]. وقال الإمام الصادق عليه السلام: “ما من مؤمن يعين مؤمناً مظلوماً إلا كان أفضل من صيام شهر واعتكافه في المسجد الحرام، وما من مؤمن ينصر أخاه، وهو يقدر على نصرته إلا نصره الله في الدنيا والآخرة، وما من مؤمن يخذل أخاه، وهو يقدر على نصرته إلا خذله الله في الدنيا والآخرة”[7].

وفي قول النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلّم: “مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم كمثل الجسد إذا اشتكى بعضه تداعى سائره بالسهر والحمى”[8]، و“المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدّ بعضه بعضًا”[9] بيان لروح الإسلام، وحقيقته، وهي أحاديث صريحة في تعظيم حقوق المسلمين بعضهم على بعض، وتحثّهم على التراحم، والتعاضد في غير إثم ولا مكروه، وحيث إن – كلام الإمام إمام الكلام، وقول المرتضى مُرتضى – نستشهد بقول ربيب سيّد المرسلين صلى الله عليه وآله وسلّم مولانا أمير المؤمنين عليه السلام حيث قال: “أحسن العدل نصرة المظلوم”[10]، وقال عليه السلام: “خض الغمرات إلى الحق حيث كان”[11].

* من كتاب: المبصرون، من وصايا الإمام الباقر عليه السلام لتلميذه جابر – جمعية المعارف الإسلامية الثقافية


 [1] زين المحدثين الشيخ محمد بن الفتال النيسابوري الشهيد، روضة الواعظين، ج 1، ص 325، منشورات الرضي قم.
[2] التسميت: ذكر الله تعالى على الشيء والدعاء للعاطس يقولون للعاطس يرحمك الله فيقال التشمت ويقال التسميت.
[3] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 72، ص 17.
[4] م.ن، ج 72، ص 359.
[5] العلامة الحلي أبو منصور جمال الدين الحسن بن يوسف، الرسالة السعدية، ج 18، ص 10.
[6] الشهيد الثاني زين الدين بن علي العاملي قدس سره، مسالك الأفهام، ج 14، ص159، تحقيق ونشر مؤسسة المعارف الإسلامية، مطبعة پـاسدار اسلام، ط 1، 1419هـ.
[7] الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج 12، ص 282 ــ 307.
[8] الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج 12، ص 282 ــ 307.
[9] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 58، 150.
[10] الآمدي التميمي عبد الواحد بن محمد بن عبد الواحد، غرر الحكم و درر الكلم، 2977.
[11] م.ن.

للمشاركة:

روابط ذات صلة

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل