المبلغ الرسالي

المبلغ الرسالي

السيد وديع الحيدري

(الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدَاً إِلَّا اللهَ ۗ وَكَفَىٰ بِاللهِ حَسِيبًا)

   هذه هي الصفة التي لابدّ للمبلّغ الرسالي والبصير أن يتحلى بها ، ذلك بأن يخشى الله وحده ، ولا يخشى أحداً غيره ، حتى لا تترك الأهواء والمؤثرات والإملاءات والمحسوبيات والتعلقات والعلاقات أثرها على مواقفه وآرائه .

   وهذا ما لا نجده وللأسف الشديد عند أغلب الذين تولوا أمر التبليغ ، وأمر هداية الناس في أوساطنا، والذي أصبح اليوم منحصراً بصنف خطباء المنبر دون غيرهم ، حيث اكتفى أكثرهم بحيازة بعض القابليات، من قبيل قابلية التقليد وحسن الصوت وقوة الحافظة .

   وهذه واحدة من أهم الابتلاءات التي ابتليت به الأمّة ، حيث حُرمت من نعمة وجود المبلغ الواعي والمخلص، إلا القليل منهم ، حتى أصبحت تلك الوظيفة الرسالية الإلهية مهنة يُمتهن بها ويُتعامل عليها، وصارت وظيفة هداية الأمّة في يد من هم أكثر الناس احتياجاً إلى التبليغ والهداية .

   ولو أننا رجعنا إلى القرآن الكريم لوجدنا أن الله سبحانه وتعالى قد اختص بهذه الصفة (الخشية من الله) بجمع من عباده العلماء ، حيث قال :

   (إِنَّمَا يَخْشَىٰ اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) .

   فالناس وكما ورد عن أهل البيت عليهم السلام ثلاثة: (عالم رباني، ومتعلم على سبيل نجاة، وهمج رعاع).

   فإذا لم يك بمقدور المبلغ الديني أن يكون عالماً ربانياً فلابد أن يكون من الصنف الثاني ، أي متعلم على سبيل نجاة ، أي يتعلم العلم من أجل العمل به لا من أجل تكثير المحفوظات وتخزين المعلومات .

   وإن من أهم ما ينبغي للمبلّغ أن يتصف به كذلك ، هو أن يكون عالماً بزمانه ، فقد روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) انه قال: (العالِم بزمانه، لا تهجم عليه اللوابس)، كي يتمكن من تشخيص العدو من الصديق ، ومن تقديم الأولويات ، وتحديد الضروريات التي يقتضيها الزمان ، فلا تنطلي عليه مكائد الأعداء، ولا تخدعه وعودهم الجوفاء .

   فالذي لا يمتلك هذه الصفة تراه يفتقر إلى التشخيص الصحيح ، وتراه يعلّق مستمعيه في التاريخ ، حيث يكتفي بنقل القصة والواقعة التاريخية من دون أن يحدد لهم مصاديقها في زمانهم ، أو يبيّن لهم موضع الدرس ومكان العبرة منها في حياتهم .

   فقابليته لا تتعدى بيان تكليف الأمم التي أكل الدهر عليها وشرب لوضوحه ، ولسهولة التمييز بين جبهة الحق وجبهة الباطل في التاريخ ، ولا علاقة له بتكليف مستمعيه أصلاً .

   فمثله في ذلك مثل الطبيب الذي يجمع الناس وهم يعانون من داء عضال وأمراض شتى ، ليحدثهم عمّا أصاب الأمم السابقة من الأوبئة والأسقام والأمراض من دون الإشارة إلى دائهم ودوائهم ، فهل يمكن أن يعتبر مثل هذا الطبيب ناصحاً أميناً ، أو مؤدياً لوظيفته بالشكل الصحيح والمطلوب ؟! فقس على ذلك تجده مطابقاً .

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل