المنبر الحسيني

المنبر الحسيني

السيد وديع الحيدري

   إن المشكلة التي نعاني منها في الكثير من مجالسنا الحسينية أنها غالباً ما تكتفي بإثارة الجانب العاطفي للقضية فقط رغم أهميته البالغة ، وخصوصاً فيما يتعلق بأهمية البكاء على هذه الرزية العظيمة .

   أما أخذ الدرس والعِبرة من هذه الحادثة المملوءة بالعبر والدروس والاستفادة منها في واقعنا المعاصر تكاد تكون مفقودة في هذه المجالس .

   فالوعظ والإرشاد الذي يتخلله المجلس مطلوب ومهم أيضاً ، ولكنه لا يسد ذاك الجانب الأكثر أهمية والمتمثل بتبيين الأهداف العظيمة لتلك النهضة المباركة .

   وإنما أصفها بالعظيمة لأن أعظم من على وجه الأرض في زمانه ضحى بنفسه الزكية وبجمع لا نظير له على وجهها أيضاً من أهل بيته وأصحابه من أجلها .

   ونحن نعلم بأن التضحية لا تكون إلّا من أجل ما هو أعلىٰ وأغلىٰ وأعظم من نفس المضحي ، فهل يوجد ما هو أعظم من الإمام الحسين عليه السلام ، ومن تلك الثلة المباركة يستحق كل هذه التضحية رغم كل تلك الحرمة والمنزلة العظيمة التي اختصها الله سبحانه بالمعصومين من العترة الطاهرة عليهم السلام !؟

   فعظمة المضحي تدل بوضوح على عظمة الهدف الذي تمت التضحية من أجله ، وهو الأمر الذي أراد الإمام الحسين عليه السلام إحياءه في الأمّة ليس في زمانه فحسب ، بل في كل الأزمنة المستقبلية إلى يوم القيامة .

   فالذي يدعو بأن تكون المجالس الحسينية مقتصرة على ذكر المصيبة فقط ، يكون بذلك قد أضاع كل تلك الجهود والتضحيات ، ووقف أمام ما أراد الإمام الحسين عليه السلام إيصاله إلى الأمّة من خلالها .

   لذا ذهب بعض العلماء بالقول بأن تضييع الأهداف التي نهض من أجلها الإمام الحسين عليه السلام ووأدها يُعد قتلاً آخر للإمام عليه السلام ، بل قال آخرون بأن تضييعها أعظم من قتل نفس الإمام عليه السلام باعتبار أن الإمام نفسه ضحى بكل ما يملك من أجلها .

   فعاشوراء الإمام الحسين عليه السلام ليست تاريخاً لا علاقة له بالواقع الذي نعيشه !! كيف ونحن نخاطبه عليه السلام في كل يوم بهذه العبارة :

   “يا أبا عبد الله إني سلم لمن سالمكم وحرب لمن حاربكم إلى يوم القيامة” .

   فَسِلم لِمَن !؟ وحرب على من إلى يوم القيامة !؟ ألا يحتاج ذلك إلى وجود مصاديق حية لهؤلاء في كل زمان وإلى يوم القيامة !؟ أم هي مجرد لقلقة لسان لا تمت إلى الواقع بصلة ، ولا صدق لما ندّعيه فيها كل يوم للإمام الحسين عليه السلام في هذه الزيارة المباركة !؟

   فمن الذي يقع على عاتقه تعريف الأمّة على هؤلاء الذين لابد لها أن تكون سلماً لهم أو حرباً عليهم في الأزمنة والعصور المختلفة إلى يوم القيامة !؟

   أليست هذه وظيفة العلماء الربانيين والمبلغين الرساليين ؟ أليست هذه وظيفة الخطباء الواعين ؟ وبالتالي أليس هذا هو دور المنبر الحسيني في تعريف حسين الزمان الذي لا تخلو الأرض منه بالأصالة أو النيابة ، ويزيد الزمان الذي لابد للأمم أن تكون حرباً له إلى يوم القيامة ؟ أم هي من السياسة التي لابد من تنزيه المنبر منها!؟

   “إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَىٰ السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ”

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل