الإطار الاجتماعي للشهادة ينظر إلى المسألة باعتبارها ظاهرة لها جذورها الممتدة في أعماق المجتمع، ولها آثارها الجسيمة التي ستتركها على الحياة الاجتماعية.
موقف المجتمع من الشهيد ومن حادثة الشهادة لا يرتبط بالشهيد ذاته فقط بما حقّقه الشهيد من نجاح فردي، أو بما مُني به من فشل فردي فحسب.. بل إنّ هذا الموقف يرتبط برد الفعل الذي سيبديه المجتمع تجاه الشهيد، وتجاه جبهة الشهيد من جهة، وتجاه الجبهة المعارضة للشهيد من جهة أخرى.
الشهيد يرتبط بمجتمعه عن طريقين:
الأوّل: ارتباطه بأفراد حرموا من وجوده ومن معطياته.
ووقع الشهادة على هؤلاء الأفراد مؤلم محزن. وإن بكى هؤلاء على الشهيد فإنّما يبكون في الحقيقة على أنفسهم.
الثاني: ارتباطه بالأفراد الذين ثار الشهيد بوجههم، لما بثّوه في المجتمع من إثم وفساد.
أي ارتباطه بالجو الفاسد الذي ناضل الشهيد لمحوه وسقط صريعاً على طريق نضاله.
هذا الارتباط يلقي على المجتمع أوّل درس من دروس الشهيد.
هذا الدرس يتلخّص في الطلب من أفراد المجتمع عدم السماح للأجواء الفاسدة أن تظهر في المجتمع..
شهادة الشهيد تطرح في إطار هذا الدرس على أنّها أمر مؤلم مفجع، لكن هذا الألم يتحوّل في نفوس الأفراد إلى سخط على الذين ثار الشهيد بوجههم، وعلى الذين قتل الشهيد بأيديهم..
وهذا السخط يحول دون ظهور قتلة جناة في المجتمع.
وهذا الدرس نتلمس آثاره في الذين تربوا في مجالس العزاء الواقعية على الحسين عليه السلام، إنّهم يأبون أن يتشبهوا قيد أنملة بقتلة الحسين (عليه السلام).
وللشهادة دروس اجتماعية أخرى. المجتمعات الإنسانية لا تخلو من أجواء فاسدة تتطلب الشهادة.
وهنا ينبغي دفع مشاعر أفراد المجتمع على طريق الاستشهاد، عن طريق سرد ما قام به الشهيد من أعمال بطولية عن “وعي” و”اختيار”.
فعن هذا الطريق ترتفع مشاعر أفراد المجتمع إلى مستوى مشاعر الشهيد، وتنطبع بطابعها ومن هنا قلنا إنّ البكاء على الشهيد: اشتراك معه فيما سجله من ملاحم، وتعاطف مع روحه، وانسياق مع نشاطه وتحركه وتياره.
* من كتاب: الجهاد والشهادة – من فكر الشهيد الشيخ مرتضى مطهري (رضوان الله عليه) – جمعية المعارف الإسلاميّة الثقافية