العبادة وخدمة عباد الله عز وجل

العبادة وخدمة عباد الله عز وجل

إحدى الفضائل المؤكّدة التي يقرّها الإسلام ويعتبرها فضيلة إنسانيّة هي خدمة خلق الله. وهذا الجانب أوصى به الرسول كثيرًا وحثَّ عليه القرآن بالقول: ﴿ لَّيسَ ٱلبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُم قِبَلَ ٱلمَشرِقِ وَٱلمَغرِبِ وَلَٰكِنَّ ٱلبِرَّ مَن ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱليَومِ ٱلأخِرِ وَٱلمَلَٰئِكَةِ وَٱلكِتَٰبِ وَٱلنَّبِيِّ‍نَ وَءَاتَى ٱلمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِۦ ذَوِي ٱلقُربَىٰ وَٱليَتَٰمَىٰ وَٱلمَسَٰكِينَ وَٱبنَ ٱلسَّبِيلِ وَٱلسَّائِلِينَ وَفِي ٱلرِّقَابِ ﴾[1]

ولكن تجد إنسانًا مثل سعدي–طبعًا سعدي لم يكن عمليًّا على هذه الشاكلة وإنَّما هذا لسان الشعراء–ينطلق مرّة واحدة قائلًا: “ليست العبادة إلّا خدمة الخلق” ولا شيء آخر سواها.

الذين يتفوّهون بهذا الكلام يستهدفون سلب فضيلة العبادة، ونفي فضيلة الزهد، وإنكار فضيلة العلم، وفضيلة الجهاد، وكلّ الفضائل السامية الأخرى التي أقرّها الإسلام للإنسان، فيقولون: أتعلمون ماذا تعني الإنسانيّة؟ تعني خدمة عباد الله، بخاصّة أنّ بعض المثقّفين اليوم يتصوّرون أنّهم بهذا المنطق حقّقوا إنجازًا رائعًا، وصاروا يسمّون هذا المنطق السامي نزعة إنسانيّة.

ولكن ماذا تعني النزعة الإنسانيّة؟ يقال إنّها تعني خدمة خلق الله، ونحن نخدم خلق الله، ونقول بوجوب خدمتهم؛ ولكن ماذا عن خلق الله ذاتهم؟ إذا افترضنا أنّنا أشبعنا بطون خلق الله وكسونا أجسادهم، فنحن إنّما نكون قد خدمنا حيوانًا. فإذًا نحن لم نعترف لهم بقيمة أسمى من هذه، وجعلنا القيم كلّها محصورة في إطار خدمة خلق الله، وليس في ذاتنا قيمة أعلى منها، ولا في ذات الآخرين قيمة أسمى منها؛ حينها يكون خلق الله مجموعة من الأغنام أو الخيل، ونكون نحن قد أشبعنا بطون عدد من الحيوانات وكسونا أجسادها.

طبعًا إذا أشبع الإنسان بطن حيوانٍ يكون قد قدّم خدمة، ولكن هل الحدّ الأعلى للإنسان يبيح بقاءه في حدود الحيوانيّة؟

العلاقة بين ذكر الله وخدمة العباد:
ذكر الله سبب لتقوية قلب الإنسان وخاصّة في الظروف العسيرة، وذكر الله يجعل المرء يستمدّ العون من قدرة الله، ويبعث في نفسه العزم والقوَّة.

﴿يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱستَعِينُواْ بِٱلصَّبرِ وَٱلصَّلَوٰةِ…﴾[2]. الصلاة تعني ذكر الله، والقرآن يقول استمدّوا العون من الصلاة.

أتذكّر قبل سنوات أنّ شخصًا كان في ما مضى في الحوزة العلميّة، ثمّ تركها وجاء إلى طهران وانضمّ إلى عصابة أحمد كسروي (وهي عصابة كانت تتنكّر للدِّين)، وألّف كتابًا يدحض فيه المذهب الشيعيّ وقد كتبت ردًّا عليه. ومن جملة ما سخر منه هذا الشخص هو ذكر الله، إذ قال هل أنّ رجلًا يحرس بيوت الناس في كبد اللّيل خير وأرضى لله أم شخص يجلس في موضع ما ويحرّك شفتيه ويقول أنا أذكر الله؟
ردّ عليه أحد العلماء بالقول: هذه القضيّة لها شقّ ثالث وهو أنّ هذا الحارس في الوقت الذي يحمل فيه بندقيّته ويجوب الشوارع، يذكر الله أيضًا.

فالإسلام لا يأمرك إمّا أن تكون حارسًا وإمّا أن تذكر الله، ولا يخيّرك بين أن تكون طيّارًا أو تذكر الله، ولا يفرض عليك إمّا أن تكون ملّاحًا في سفينة وإمّا أن تذكر الله، بل يقول: اذكر الله مع كلّ عمل تمارسه، وحينها تؤدّي عملك بشكل أفضل، ويكون اندفاعك للعمل أشدّ. القرآن لا يأمر الإنسان بالجلوس في حجرة وإغلاق الأبواب على نفسه، والإمساك بمسبحة ذات ألف حبَّة وذكر الله[3].

العبادة ومواساة المحرومين
ثمّة سُنَّة مشتركة بارزة عند جميع الأئمّة عليهم السلام بوضوح؛ أحدها الاعتقاد بالله وخشيته وعبادته. فالاعتقاد بالله سمة بارزة في حياتهم، وخشية الله تدفعهم في مواطن كثيرة إلى البكاء والخوف والتضرّع وكأنّهم يرونه، ويرون القيامة والعذاب، والجنّة والنار. جاء في وصف الإمام موسى بن جعفر (عليهما السلام) أنّه كان: “حليف السجدة الطويلة والدموع الغزيرة”[4]، فإذا لم يكن هناك تفاعل في داخل الإنسان، فهو لا يبكي.

والسُّنَّة الثانية التي كانت بارزة في حياة جميع ذرّية عليّ (عليه السلام) من الأئمّة المعصومين(عليهم السلام) هي مواساة الفقراء والمساكين والمحرومين؛ إذًا إنّ للإنسان عندهم قيمة ثمينة. ولو طالعنا تاريخ كلّ واحد من الأئمّة نجد الاهتمام بشؤون الضعفاء من جملة اهتماماتهم، وكانوا يتولّون هذه المهمّة بأنفسهم ولا يوكلون من يؤدّي هذه المهمّة نيابة عنهم[5].

* من كتاب: الأسوة الحسنة- الشهيـ ـد العلامة الشيخ مرتضى مطهري (رضوان الله عليه) – مركز المعارف للتأليف والتحقيق


[1]  القرآن الكريم، سورة البقرة، الآية 177.
[2]  سورة البقرة: الآية 153.
[3]  التعرّف على القرآن: ص92.
[4]  الشيخ عباس القمي، منتهى الآمال، ج2، ص222.
[5]  في رحاب الأئمّة الأطهار، ص183.

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل