الإنسان حين يطلب ما لا يستحقه، لعدم لياقته له، لا يفقد ذلك وحسب، بل قد يخسر ما كان في متناول يده، وهذا ضرب من الجنون، لأنه يضع نفسه موضع الرفض، والرفض أشد قسوة من المنع الابتدائي، فلا يجني إلا الخيبة، بل ازدراء الآخرين وتهكمهم عليه.
ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع)أنه قال: “مَنْ سَألَ فَوْقَ قَدْرِهِ اسْتَحَقَّ الْحِرْمانَ”.
معادلة مهمة، شأنها شأن سواها من المعادلات التي يكشف عنها الإمام أمير المؤمنين (ع)، هي معادلة ملهمة، تعلّمنا ماذا نطلب، وكيف نطلب، ومتى نطلب، وتدفعنا إلى أن نطرح على أنفسنا السؤال التالي قبل أن نطلب: هل أنا أهل لما أطلب؟
فإن كان الجواب نعم، فليكن طلبنا مقرونًا بالمحافظة على العِزَّة والكرامة والسُّمعة الحَسَنة والشرف، كي لا يكون استجداءً، أو استعطاءً، وكي لا يُصاحبه تزلُّف وتملُّقٌ، وإن كان الجواب لا، فلنعكف على بناء ذواتنا، وقدراتنا، وتطوير مهاراتنا، وامتلاك الجدارة والمؤهلات اللازمة، حتى يصبح طلبنا استحقاقًا نستحقه.
وفي الحياة الإنسانية أمثلة ونماذج كثيرة لما سبق، رجل يطلب موقعاً قيادياً أو وظيفياً لكنه لا يملك المؤهلات اللازمة لذلك، فهذا الطلب فوق الاستحقاق، إن طلبه طلبه بتملَّق وتزلُّف وواسطة، وإن أُعطِيَ له أعطِيَ ما لا يستحق، وإن مُنع عنه فالملامة عليه لأنه سأل فوق ما يستحق، ورجل يطلب ذلك ويملك كل المؤهلات القيادية والوظيفية، ويتصف بكل الصفات المطلوبة، فهو يطلب ما هو جدير له، إن أعطِيَ ذلك أُعطِيَ حقَّه وكان أهلاً له، وإن مُنِع عنه مُنِعَ من حقِّه وله أن يلوم المانع.
وطالب علم يطلب النجاح دون جُهد، ودون صبر، ودون مذاكرة، ودون استيعاب للعلم الذي يطلبه، فلا يستحق النجاح قطعاً، وجماعة تطلب النصر والمجد دون تضحيات، فلا تستحق ما تطلب لأنها لم تهيّء الأسباب الضرورية لذلك، إنها تطلب فوق قَدْرِها، ومن طلب فوق قَدْرِه استحقَّ الحرمان.
وهكذا تعلِّمنا هذه المعادلة أن الطلب فوق ما نستحق ليس طموحاً، بل استعجالٌ بالنتائج قبل استيفاء الشروط، وأن من استعجل قطف الثمرة قبل نضجها لم يحصد إلا الحرمان، يقول الإمام أمير المؤمنين (ع): “وَمُجْتَنِي الثَّمَرَةِ لِغَيْرِ وَقْتِ إِينَاعِهَا كَالزَّارِعِ بِغَيْرِ أَرْضِهِ.” ويقول: “مَنِ اسْتَعْجَلَ الشَّيءَ قَبْلَ أَوَانِهِ عُوقِبَ بِحِرْمَانِهِ.”
الإنسان حين يطلب ما لا يستحقه، لعدم لياقته له، لا يفقد ذلك وحسب، بل قد يخسر ما كان في متناول يده، وهذا ضرب من الجنون، لأنه يضع نفسه موضع الرفض، والرفض أشد قسوة من المنع الابتدائي، فلا يجني إلا الخيبة، بل ازدراء الآخرين وتهكمهم عليه.
من المؤكَّد قارئي الكريم أن قول الإمام أمير المؤمنين (ع): “مَنْ سَألَ فَوْقَ قَدْرِهِ اسْتَحَقَّ الْحِرْمانَ” لا ينهى عن الطموح وعُلُوِّ الهِمَّة، وهو لم يكن يوماً ضدَّ الطموح، بل إنه (ع) يعتبر أن قيمة المرء تتأتى من عُلُوِّ هِمَّته حيث يقول: “المَرْءُ بِهِمَّتِهِ لا بِقِنْيَتِهِ” فكلما ارتفع طموحه وعَلت همته ارتفعت قيمته وكرامته، لكن ذلك مشروط بأن يكون قادراً على ذلك، جديراً به، ينجِز ذلك وفق الأسباب الطبيعية، من إعداد، واستعدادٍ، ومؤهِّلات، ومراحل، ويسير إليه بخطى ثابتة واعية.
ونستنتج مما سبق: أن الإنسان لا يُعاب إذا لم ينل ما يطلب إن كان جديراً به، ولكن يُلام إذا طلب ما لا يستحقه، وليس جديراً به، وأن اعترافه بقدراته الشخصية، ووعيه بذاته، ومعرفته بإمكانياته هو أول خطواته على طريق تحقيق ما يطلب.
بقلم الباحث اللبناني في الشؤون الدينية السيد بلال وهبي