مسيرة الاربعين المليونية حدث سنوي تاريخي عالمي، يجري الآن في أرض العراق، ويقدّم للأمة صورة رائعة عن التقريب المذهبي والقومي وعن ارتفاع الأمة إلى مستوى الأهداف السامية والـمُثل العليا حين يكون أمامها هدف كبير مثل احياء ذكرى الحسين بن علي(ع) رائد التضحية والفداء في تاريخنا الإسلامي.
وهنا تتوجه الانظار والافكار نحو الاعلام التقريبي المطلوب، وتفكر في إمكان تحقيقه.
فما هو الاعلام المطلوب في عالمنا الإسلامي؟
– يخلق وحدة شعورية وعاطفية بين المسلمين في كل أرجاء الأرض.
– ويؤكد على الهوية الإسلامية والانتماء الإسلامي.
– ويرشّد الصحوة الإسلامية ويبعدها عن الزيغ والانحراف والإفراط والتفريط.
– ويربي أبناء الأمة على العزة والكرامة والشخصية الإسلامية.
– ويضع أمام الجماهير مَثَلها الحق ويدعوها إلى أن تعبئ طاقاتها للسير نحوه.
– ويعالج الحساسيات القومية والطائفية والإقليمية الموروثة، وهكذا الاختلافات السياسية والحدودية بشكل يدفع بها إلى أن تصب في المصلحة الإسلامية العليا.
– ويوضح للأمة مصيرها المشترك أمام التحديات والأخطار والتهديدات المحدقة بها.
-ويكشف عن الخطط الرامية لتمزيقها وتذويبها ومصادرة هويتها والانقضاض على استقلالها الفكري والسياسي والاقتصادي.
ـ ويتناول كل ما من شأنه أن يخلق العودة الإسلامية إلى ساحة الحياة.. وهل هذا ممكن؟
قد يكون الجواب : لا، ودليل النافين واضح، فإن الحالة السياسية للأمة الإسلامية – على رأيهم – بعيدة عن اتخاذ موقف إعلامي يرتفع إلى مستوى المسؤولية.
هذا صحيح.. ولكن المفردات الدّالة على الإمكان أيضًا موجودة، ولا بد من تنضيجها ودفعها إلى النمو، كي تكون فاعلة.. ومن أهم هذه المفردات :-
1- تجربة الإعلام في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وهي تجربة يشوبها الكثير من النقص والأخطاء، لكنها بمجملها تجربة جديدة في حقل الإعلام المرئي والمسموع والمقروء، تحاول أن تسير في خطوطها العامة على منهج واحد يستهدف مخاطبة الروح الإسلامية واستثارة المشاعر الإسلامية وتوحيد الصف الإسلامي.
2- فرصة التعاون الإعلامي داخل منظمة التعاون الإسلامي، وقد توفّر لهذه الفرصة روح جديدة في إحدى دوراتها التي انعقدت في طهران، ومن الممكن أن تتواصل هذه الروح لو وضعت قواعد وأسس جديدة لتفعيل أجهزة المنظمة وخاصة أجهزتها الإعلامية.
3- تصاعد الاهتمام العام بين المخلصين من أبناء الأمة في طرح بدائل للإعلام المنحرف الموجود، وتبلور هذا الاهتمام في ظهور إعلام إسلامي يحاول أن يملأ الفراغ رغم ضآلة إمكاناته.
4- تنامي الصحوة الإسلامية، وهي ظاهرة لا بدّ أن تفرز إرادة لإعلام ينسجم معها فكريًا وسياسيًا. ولا بد أن تتبلور هذه الإرادة عاجلاً أم آجلاً في مشروع إعلامي إسلامي.
5- ابتعاد الإعلام المنحرف عن الفطرة والجذور، فالإعلام المنحرف قد يثير زوبعة من الجذب والانشداد إليه عبر الاستفادة من دوافع الرغبة في الجديد والحديث والجميل والمثير عند الناس، لكنه سيتبين بعد أمد أنه دعوة رجعية إلى البهيمية وإهدار الكرامة الإنسانية، فتمل منه النفوس، وتتركه وتلفظه، لتبحث عن الجديد الحقيقي لا السرابي، والجميل الواقعي لا الشهواني، والمثير العقلاني لا الغوغائي.
وهنا أدعو الباحثين الإسلاميين في حقل علم النفس والاجتماع أن يدرسوا “نظرية الفطرة” كما طرحها القرآن، لنعرف الفرق بين الثابت والزائل وبين الكلمة الطيبة والخبيثة في الساحة الاجتماعية.
وقد يتذرع الرافضون لإمكان انبثاق إعلام إسلامي تقريبي موحد بعدم إمكان المنافسة مع الإعلام المنحرف.
فالإعلام المنحرف يعتمد على الجنس والإثارة وتقديم الجديد باستمرار بينما الإعلام الإسلامي ـ كما يتصور هؤلاء الرافضون ـ يعتمد على الخطاب الوعظي وتقديم النصائح. وهذا تصور خاطئ للإعلام المطلوب. فالإعلام المطلوب يجب أن يواكب الزمن ويقدم الجديد الحقيقي باستمرار لكي يكشف عن زيف الجديد السرابي الذي يقدمه المنحرفون.
ويجب أن يمارس «الحكمة» في خطابه وينحو إلى «التي هي أحسن» في سبله وتقنياته الفنية. أما قضية الجنس فأعتقد أن فطرة الإنسان تميل إلى العفّة وحفظ الكرامة وضبط الشهوات شرط أن تحسن مخاطبة هذه الفطرة وأن نستثيرها لتنهض مما ران عليها من ركام انحرافات العصر المادي. أما قضية الإثارة فهي أيضًا مطلوبة في الإعلام شرط أن تستخدم على الطريق الصحيح، وأقف هنا لأشير إلى قضية «الحوار» السائد في الإعلام عامة والفضائيات المرئية في عالمنا الإسلامي بشكل خاص.
هذا الحوار يتناول عادة قضية «مثيرة» يشترك في مناقشتها أفراد لهم وجهات نظر مختلفة.
أن تكون القضية «مثيرة» هذا أمر لا غبار عليه لأن القناة الإعلامية تستهدف تناول القضايا التي تهم المشاهد وتدغدغ عواطفه ومشاعره وأفكاره. ثم أن تطرح وجهات نظر حرّة ومختلفة في تناول القضية، هذا أيضًا أمر لا ضير فيه ضمن إطار مفهوم الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
والأمر إلى هذا الحد مطلوب أيضًا في الإعلام الإسلامي المتحرك الناهض. لكن الأمر في الفضائيات شيء آخر، فباسم الحوار يتحول المشهد إلى مباريات أشبه بمباريات كرة القدم، وكلما كانت ساخنة أكثر كانت أنجح وأقدر على جذب المشاهد كما هو في ذهن المعدّين لهذه الحوارات. وقد يصعّدون السخونة، أحيانًا إلى حد النزاع والخصام، والفائز في هذه المواجهة عادة مقدم البرنامج الذي استطاع أن يشدّ أعصاب المشاهدين إلى برنامجه لساعات في حالة من التوتر والتشنج، كأنهم يتفرجون على متنازلين في حلبة المصارعة الحرّة.
والخطورة في هذه المواجهة حينما تطرح قضية ذات حساسية مذهبية أو طائفية، وقد يتعمّد مقدم البرنامج إلى طرحها أو قد يعمد أحد المتحاورين إلى طرحها لهدف مبيّت عنده. فتتركز الطائفية بذلك، اللهم إلا إذا استطاع المتحاور الآخر أن ينأى عن الدخول في هذا النزاع الطائفي ويركز على رحاب الإسلام الواسعة.
المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية/
الشؤون الدولية