أكد متولي العتبة الرضویة المقدسة أن الوحدة الوطنية التي نشأت بعد هجوم الكيان الصهيوني الغاصب هي ثروة وطنية حصلت نتیجة دماء آلاف الشهداء، وقال: المدرسة الرضوية هي مدرسة إمامیة، أخلاقیة ووحدویة.
وبحسب وكالة أنباء آستان نيوز، خلال مراسم قراءة الخطبة في ليلة استشهاد الإمام الرضا (ع)، التي أقيمت مساء السبت 23 آب 2025 ، بحضور جمع من مسؤولي البلاد وخدام وزوار الحرم الرضوي الشریف في صحن الرسول الأعظم(ص) في الحرم الرضوي، اعتبر آية الله أحمد المروي الأخلاق كواحدة من تعاليم الإمام الرضا (ع) وقال: يقوم المنهج السياسي والاجتماعي في الإسلام على الفضائل الأخلاقية؛ وفي هذا الصدد، تُعتبر الأخلاق من التعاليم البارزة في سیرة الإمام الرضا (ع). يقول الإمام(ع) في روایة: لا يكتمل عقل المسلم إلا بعشر خصال؛ ثم يذكر تسع خصال، ويقول عن العاشرة: لاَ يَرَى أَحَداً إِلاَّ قَالَ هُوَخَيْرٌ مِنِّي وَأَتْقَى.
وأضاف: في المدرسة الرضوية، لا مكان للشک بين المسلمين، إذا رأى شخصًا ظاهره التقوى، حاول الاقتداء به، ودعا الله أن يجعله مثله، وإذا رأى شخصًا ليس بمظهر حسن، قال في نفسه: لا يحق لي الحكم على الناس بناءً على المظهر فقط، ربما يكون خيره وتقواه خفيين في قلبه. هذا الموقف هو جوهر التربية الأخلاقية في المدرسة الرضوية.
تَجنُّب اتهام بعضنا البعض
أكد متولي العتبة الرضوية المقدسة على ضرورة أن يكون المجتمع الرضوي متحليا بالأخلاق في جميع مجالات الحياة الخاصة والفردية والعائلية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية، مشيرا إلى أن الإمام الرضا (ع) قال في رواية لعبد العظيم الحسني: قل لشيعتنا إذا أردتم التقرب إلي: «وَلا یَشْغَلُوا أَنفُسَهُمْ بِتَمْزِیقِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا»
وقال: على المؤمنين والشيعة المنضوين تحت راية الإمامة والولاية أن ينتبهوا لما يؤكد عليه ثامن الأئمة (ع) لتجنب الإساءة للآخرین. دعوا الأعذار الواهية والباطلة جانبًا، وكفوا عن إيذاء بعضكم بعضًا؛ لا تُبذروا طاقاتكم وأموالكم وقوتكم في الإساءة للآخرین. لا تدعوا أفكاركم وأقلامکم تشغلكم بالخلافات الداخلية بدلًا من أن ترشدكم إلى محاربة أعداء الإسلام والإنسانية.
أهمية الوحدة الوطنية من وجهة نظر قائد الثورة الإسلامیة
وفي إشارة إلى تصريحات قائد الثورة الإسلامية في الذكرى الأربعين لاستشهاد شهداء الحرب المفروضة، قال آية الله المروي: لقد ذكّرنا سماحته بنقاط مهمة، أولها الحفاظ على الوحدة الوطنية، وهذا واجب يقع على عاتقنا جميعاً اليوم.
وتابع: بعد انتهاء الحرب، أكد قائد الثورة علی أن الشعب الإیراني حقق ثلاثة انتصارات مهمة: خيبة أمل أمريكا، وهزيمة الكيان الصهيوني، وإیجاد وحدة وطنية؛ وكان للتضامن دورٌ مهم في هذه الانتصارات، فقد وقف الناس، على اختلاف أذواقهم واعتقاداتهم الدينية، بصوت واحد وقلب واحد خلف قائد الثورة في مواجهة العدو، والآن، يجب علينا الحفاظ على هذه الوحدة والتماسك وتعزيزهما.
کما أكد متولي العتبة الرضوية المقدسة على ضرورة عدم إصدار أي بيان أو موقف أو بيان من شأنه إثارة الانقسام والفُرقة في المجتمع، وقال: بالتأكيد، هذا لن يحدث، لأن الشعب الإيراني شعب واعي، ذو فهم سياسي، ولديه ثقة عميقة وصادقة بقائد الثورة؛ ومع ذلك، في هذه الأثناء، قد يتعب البعض ويرسلون إشارات ضعف للعدو.
وقال: لنفترض أن القول صحيح من وجهة نظر المُتكلم أو الكاتب، ولكن هل يجب أن يُقال كل قول صحيح؟ ألا ينبغي لنا أن نُقدر الظروف ونتصرف في الوقت المناسب؟ يقول أمير المؤمنين (ع) في رسالة إلى مالك الأشتر: يا مالك! لا تتعجل، ويؤكد أيضًا: ضع كل شيء في موضعه، وافعل كل عمل في وقته.
وأضاف آية الله المروي: لنفترض أننا نعتقد بصحة أمر ما، ولكن هل حان وقت التعبير عنه؟ علينا أن نأخذ الظروف بعين الاعتبار؛ واليوم، فإن أي تصريح أو موقف أو تحليل غير مدروس ينقل اختلاف الآراء في المجتمع الإسلامي إلى العالم الخارجي،وهو في الواقع خيانة للإسلام والثورة، والعدو يسعى وراء التشتت في الآراء.
الوحدة: رأس مال وطني ثمين
استذكر متولي العتبة الرضوية المقدسة، انتصار الشعب الإيراني في الحرب الأخيرة، قائلاً: إذا كنا قادرين على الصمود والانتصار على القوتين النوويتين في حرب الاثني عشر يومًا، فإن أحد أهم أركان هذا النصر كان وحدة الكلمة. لقد وقف الشعب، بقلب واحد وصوت واحد، خلف قائد الثورة، وكانت النتيجة هي المقاومة والصمود.
قال: الوحدة ثروة عظيمة لم نحصل علیها بسهولة. لقد تحققت هذه الثروة الوطنية بتكاليف باهظة وتضحيات أكثر من ألف شهيد. لقد فقدنا العشرات من القادة العظماء والمشهورين، الذين كان كلٌّ منهم ثروة ثمينة للبلاد، بالإضافة إلى علماء بارزين كانوا ثروة علمية للبلاد.
لقد أُریقت دماء العديد من النساء والرجال والأطفال والشباب على هذا الطريق، وضحينا بالعديد من الشهداء الأعزاء من أجل وحدة الكلمة هذه؛ والآن، من واجبنا جميعًا ومسؤوليتنا أن نحافظ على هذه القيمة العظيمة ونحميها.
التعقيدات السياسية والاجتماعية في عصر ثامن الأئمة (ع)
في جانب آخر من کلمته، حلل آية الله المروي الأوضاع الاجتماعية والسياسية في عصر الإمام الرضا (ع)، قائلاً: كانت فترة الإمام الرضا (ع) من أصعب وأعقد الفترات في تاريخ الأئمة الأطهار (ع). تزامنت هذه الفترة مع بداية الخلافة العباسية، حيث استطاع العباسيون، بشعار الثأر لدم سيد الشهداء (ع)، انتزاع الخلافة من الأمويين، لكن سرعان ما انكشفت حقيقتهم. كانت معاملة العباسيين لآل بیت النبوة (ص) أشد قسوة من معاملة الأمويين.
وقال: إن ثاني أكبر مشکلة کانت في عصر الإمام الرضا (ع) هي أجواء الظلم والاستبداد في العصر العباسي، وخاصة في عهد هارون الرشيد، الحاكم الذي قيل إن سيفه کان يقطر دماً. في مثل تلک الأجواء، كانت أدنى بادرة وعي أو معارضة سياسية أو دينية تُقابل بأشد ردود الفعل.
اعتبر متولي العتبة الرضویة المقدسة، أن من أشدّ التحديات التي واجهها الإمام الرضا (ع) هي جهل بعض المقربين من آل البيت (ع) وولعهم بالدنيا، وقال: بعد استشهاد الإمام الكاظم (ع)، أنكر بعض أتباعه، إمامة الإمام الرضا (ع) طمعا في الدنيا، وأسسوا فرقة الواقفية؛ وقد أدّى هذا الانحراف إلى ضلال جماعة من الشيعة وظهور الفرقة بينهم.
جهود الإمام الرضا (ع) المتواصلة
وفي إشارة إلى جهود ثامن الأئمة (ع) المتواصلة، قال آية الله المروي: رغم كل الصعوبات، لم يتوانى الإمام لحظة عن هداية الناس، وكشف الظلم، والدفاع عن مقام الإمامة؛ وطوال حياته الشريفة، كان الإمام منشغلاً بالهداية والتنوير، ومقارعة الظالمين.
وأضاف: إن حياة الأئمة الأطهار (ع) هي في الحقيقة حياة إنسان عمره مئتان وخمسون عامًا؛ أي أنهم وإن عاشوا في أزمنة مختلفة، إلا أن طريقًا واحدًا وهدفًا واحدًا وحقيقة واحدة تجلّت في أجساد جميع هؤلاء الأئمة؛ جميعهم شخصيات تاريخية متصلة، سعوا، على مدى مئتين وخمسين عامًا، إلى هداية البشرية، وإحياء الحق، وإحياء القرآن الكريم، والسعي لتحقيق السيادة الإلهية.
تعاليم المدرسة الرضوية
وفي جانب آخر من كلمته، أشار متولي العتبة الرضویة المقدسة إلى بعض تعاليم الإمام الرضا (ع)، فقال: من أهم تعاليم الإمام الرضا (ع) التمركز حول الإمامة في الفكر والحياة الدينية، وخلال إقامة الإمام في المدينة المنورة، أوهجرته إلى مرو، وفترة ولایة العهد الظاهریة، كان سیتفید من كل فرصة لتبیین مكانة الإمامة كركيزة أساسية من ركائز الدين.
کما أشار إلى أنه في عهد الإمام الرضا (ع)، سنحت له فرصة مناسبة لتبیین مقام الإمامة، فشدد على هذه الحقيقة العظيمة لهداية أهل زمانه ومن سیأتي بعدهم؛ ولما دخل نيسابور، حيث كان ینتظره أكثر من ثلاثة آلاف کاتب للحدیث، طلبوا منه حديثاً، فذكر لهم حديث سلسلة الذهب المعروف.
وأضاف آية الله المروي: وفقًا لحديث سلسلة الذهب، لا معنى للتوحيد الحقيقي بدون الإمامة، والتوحيد الذي لا يمر بطريق الإمامة، ناقص ولا أساس له؛ لذلك، فإن الخطوة الأولى لبناء المجتمع الرضوي هي السير على طريق الإمامة والولاية، وكلما ابتعد المجتمع الإسلامي عن هذا المحور، ابتعد في الواقع عن جوهر الدين.