السيد وديع الحيدري
روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه سُئل عن وجه انتفاع الناس بالإمام المهدي عليه السلام في غيبته ، فقال :
(أي والذي بعثني بالنبوة إنهم يستضيئون بنوره وينتفعون بولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس وإن تجلّلها سحاب) .
وروي عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال بعد أن سئل عن كيفية انتفاع الناس بالحجّة الغائب المستور :
«كما ينتفعون بالشمس إذا سترها السحاب» .
وروي عن الإمام الحجة عليه السلام أنه قال :
«وأمّا وجه الانتفاع بي في غيبتي ، فكالانتفاع بالشمس إذا غيّبها عن الأبصار السحاب» .
إنّ تشبيه النبي الأكرم صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام الإمام الحجة أرواحنا فداه بالشمس له أوجه متعددة ، منها :
– محورية الشمس في منظومتنا الشمسية ودوران الكواكب حولها ، وكذلك محورية الإمام عليه السلام في هذا العالـم ، فهو قطب عالـم الإمكان ، وقلب هذا الوجود .
– ومنها : أنّ بنور الشمس يهتدي المهتدون بطرق الأرض وبها يستضيئون ، وكذلك نور الإمام عليه السلام ، فهو الذي يهتدي به المهتدون بطرق السماء والأرض وبه يستضيئون ، وكما ورد في زيارته ليوم الجمعة التي جاء فيها :
(السَّلاٰمُ عَلَيْكَ يٰا نُورَ اللهِ الَّذِي يَهْتَدِي بِهِ الْمُهْتَدُونَ) .
وجاء في زيارة رسول الله صلى الله عليه وآله كذلك ، وكلّهم نور واحد :
(السَّلامُ عَلَيْكَ يَا نُورَ اللهِ الَّذِي يُسْتَضاءُ بِهِ) .
– ومنها : أنّ للشمس دوراً أساسياً في جريان الحياة في الارض ، فبدونها تنعدم الحياة فيها ، وكذلك الحجة أرواحنا فداه ، فلولا وجوده الشريف على الأرض لساخت بأهلها وانعدمت فيها الحياة .
فقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام أنه سُئل :
{أتبقى الأرض بغير إمام ، قال : (لو بقيت الأرض بغير إمام لساخت)} .
– ومنها : أنّ نور الشمس يبدأ بالظهور قبل طلوعها ، فعين الشمس لا تظهر هكذا فجأةً وسط الظلمة ، بل يتدرّج نورها في الظهور والازدياد شيئاً فشيئاً حتى تشرق ويظهر عينها في الأفق ، وفي ذلك نوع من التمهيد للعيون في استقبال النور ، وكذلك الإمام عليه السلام فإنّ نوره يشرع بالظهور ، ويبدأ بالانتشار والازدياد بالتدريج ايضاً قبل أن يظهر شخصه الكريم .
وإنّ المقصود من ظهور نوره قبل ظهور شخصه ، هو ظهور هداه وهدى آبائه الطاهرين عليهم السلام ، وانتشار فكرهم ونهجهم ، مع حصول تصاعد في الشعور بالحاجة إلى الرجوع إلى حاكمية الدين في الأوساط الإسلامية ، وذلك من خلال ازدياد الوعي الديني فيها .
وكذلك وصول المجتمع البشري بشكل عام ، والمجتمع الإسلامي بشكل خاص إلى القناعة الكافية بقدرة الدين الإسلامي على إدارة شؤون الحياة في المجتمع ، وبقدرته على الإمساك بزمام الأمور فيه بجدارة ، وذلك من خلال إراءة تجربة حيّة تُـثبت للعالـم بصورة عملية وجود هذه القدرة وهذه الجدارة ، لأنّ الجانب النظري وحده غير كافٍ لإيصال تلك القناعة إلى الناس ما لـم يتوّج بالتطبيق .
وإنّ لوجود هذا النموذج الحي لحاكمية الدين أهمية خاصة وكبيرة في تمهيد الأذهان لتقبّل حاكمية الإمام عليه السلام بعد ظهوره ، خصوصاً بعد فشل المشارب السياسية والفكرية المختلفة التي تسلطت على المجتمعات الشرقية والغربية في هذا العالـم .