مَنْ لَمْ يَرْحَمْ لَمْ يُرْحَمْ

مَنْ لَمْ يَرْحَمْ لَمْ يُرْحَمْ

 إن أردت أن تكون مرحوماً فعليك أن تكون رحيماً، هذه هي المعادلة، وهي من أعظم معادلات الحياة الإنسانية بل حياة الأنواع الأخرى، فالعالم كله قائمة على الرحمة، ولا يمكن بحال من الأحوال أن يقوم من دونها.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: “مَنْ لَمْ يَرْحَمْ لَمْ يُرْحَمْ”.
إن أردت أن تكون مرحوماً فعليك أن تكون رحيماً، هذه هي المعادلة، وهي من أعظم معادلات الحياة الإنسانية بل حياة الأنواع الأخرى، فالعالم كله قائمة على الرحمة، ولا يمكن بحال من الأحوال أن يقوم من دونها، إن رحمة الله تعالى قد وَسِعَت كل شيء، وهي تظلِّل كل شيء، وتدفعه نحو غايته، وتهيئ لكل الأشياء أسباب وجودها وحركتها وسيرها التكاملي، والحياة الإنسانية يستحيل أن تستقيم وتستقر وتحقق غاياتها من دون الرحمة، الرحمة هي روح الحياة كلها، إذا انعدمت الرحمة انعدمت الحياة، وعلى الإنسان أن يكون رحيماً بنفسه ورحيماً بسواه من الناس، سواء كانوا في الدائرة الأقرب إليه أم في الدائرة الأبعد عنه، بل عليه أن يكون رحيماً بكل الخلق الذين يستفيد منهم مباشرة أو بالواسطة، فيرحم الحيوان، ويرحم النبات، ويرحم سوى ذلك.

والرحمة كما جاء تعريفها في اللغة: رِقَّة في النفس تُوجب الإحسان إلى المرحوم، وقد تكون بالقول أو الفعل أو كليهما، ولذلك سُمِّيَت الرَّحِم (صلة القرابة) بهذا الاسم، لأنها تقوم على العلاقة المتبادلة من الرِّقَّة والمَوَدَّة والحُنُوّ.

وعرَّفها العلماء بأنها: قول، أو فعل يقتضي الإحسان إلى المرحوم، وإيصال المنافع، والمصالح له.

وهي صِفة ذاتية لله تعالى، بل كما يقول العلماء هي أصل وجذر الكثير كل الصفات الإلهية، خلا صفات الحياة، والقدرة، والإرادة، وما سواها فهو ناشئ من صفة الرحمة، فالله هو الرحمان الرحيم، ولذلك وجدنا الله تعالى يبدأ كل سور القرآن الكريم بالبسملة (بسم الله الرحمان الرحيم) ووجدنا الروايات الشريفة تؤكد على ضرورة أن يبدأ المرء كل عمل من أعماله بهذه البسملة، بل جاء في بعض الروايات: أن كل عمل لا يُبدأ به ببسم الله الرحمان الرحيم فهو أقطع، أي مبتور.

ومعنى الرحمان: ذو الرحمة الواسعة الشاملة لجميع الخلق، فكل ما خلقه الله من جمادات وناميات وحيوانات مشمول لتلك الرحمة، حتى الكافر والجاحد والعاصي والمذنب مشمول لرحمته تعالى.

ومعنى الرحيم: ذو الرحمة الخاصة بمن يستحقها، ممن توفرت فيه شروط نيلها، وهو المؤمن بالله المطيع لأوامره والمجتنب لنواهيه، فهذه الرحمة فيها عناية خاصة بخواصِّ عباد الله تعالى، وهي متاحة لكل من تحققت منه العبودية الحقَّة.

وعلى كل فإن قول الإمام أمير المؤمنين (ع): “مَنْ لَمْ يَرْحَمْ لَمْ يُرْحَمْ” يشير إلى المعادلة التي تقدمت للتَّو، وهي: لن ينال أحدٌ الرحمة إلا إذا كان رحيماً بسواه، وقد اتضح لنا مما سبق عمق هذه المعادلة، فإذا كانت الرحمة تعني: قول أو فعل يقتضي الإحسان إلى المرحوم وإيصال المنافع له، فمن الطبيعي أن يرتد عليه نفعاً منهم، فأنت حين تسقي الشجرة وتغذيها بما تحتاج إليه من سَماد، وتشذِّبها، وتعتني بها، فمن المؤكد أن تعطيك ثمراً كثيراً وسليماً، وهذه هي الرحمة بعينها، وحين ترحم الحيوان بما توفِّره له من طعام وماء وأدوية فمن المؤكد أن يعيش سليماً قوي البُنية فيعطيك ما ترغب به منه من لبن أو عمل، أو سوى ذلك.

وهكذا الحال في علاقتك بالبشر، فأنت حين ترحم زوجك، ترأف به وتعينه وتوفر له أسباب الراحة، وتهيئ له الظروف المناسبة للحياة المُثلى، فمن المؤكد أن يقابلك برحمة مثلها، وحين ترحم ابنك أو والدك أو أخاك أو جارك، فمن المؤكد أن يرحمك، وحين ترحم العامل عندك والموظف في مؤسستك فمن المؤكَّد أن ترجع عليك الرحمة برحمة منه، تعينه فيعينك، وترأف به فيرأف بك، وتتعاطف معه فيتعاطف معك.

فالرحمة قارئي الكريم هي جوهر الإنسانية، وليست حالة وجدانية عابرة، بل هي قيمة كبرى تتجاوز العاطفة إلى الفعل، وهي الدليل الحيّ على حياة القلب ونُبل الأخلاق، فمن افتقد الرحمة افتقد إنسانيته.
وما أحوجنا في عصرنا هذا إلى إشاعة الرحمة في أوساط المجتمعات والشعوب، ما أحوجنا إلى أن يرحم بعضنا بعضاً، في زمن السائد فيه القسوة والغلظة، والنزق، والسائد فيه القتل للقتل، والتدمير للتدمير، شعب يبيد شعوباً ليعيش هو، ويهنأ هو، ولن يهنأ، لأن: “مَنْ لَمْ يَرْحَمْ لَمْ يُرْحَمْ”.

بقلم الباحث الايراني في الشؤون الدينية السيد بلال وهبي

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل