حديث التقريب.. آل البيت (ع) قادة مسيرة وحدة الأمة

حديث التقريب.. آل البيت (ع) قادة مسيرة وحدة الأمة
في زحمة الأحداث التي مرت على العالم الإسلامي خلال الأيام الماضية، فاننا يجب أن نقف عند ذكرى استشهاد السيد محمدباقر الحكيم وهو من روّاد مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) في الدعوة الى وحدة الأمة والتقريب بين مذاهبها.
لقد عاش هذا الرائد الهاشمي من أجل رفعة راية الإسلام مركزاً على وحدة الأمة باعتبارها مقدمة هامة لعودة الدين المبين الى ساحة الحياة ولاستعادة عزّة الأمة وكرامتها نقف عند مقاطع من خطابه الوحدوي المنطلق من مدرسة الاسلام وتعاليم الرسول وأهل بيته الكرام التي تبين إيمانه العميق بأن التشيع لآل البيت رسول الله لا ينفصل عن الدعوة إلى وحدة الأمة والتقري بين مذاهبها.

أحسب أن السيد الحكيم كان يريد من هذا التركيز على التقريب في مدرسة آل البيت أمرين :-
الاول – أن يقول للشيعي أنّ التقريب هدف أساسي من أهداف مدرسة أهل البيت، فإذا كنتَ من أتباع مدرسة أهل البيت حقيقة فعليك أن تكون من دعاة التقريب المذهبي، وهو بذلك يردّ على أولئك الذين يتخذون مواقف معادية من التقريب تحت لافتة الولاء لأهل بيت رسول الله(ص) . ويعملون على إثارة الفرقة والحزازات بين المسلمين تحت عنوان التولّي والتبرّي.

والثاني ـ أن يقول للسنّي أن دعوة التقريب في مدرسة أهل البيت هي دعوة مبدئية قائمة على أساس وجوب حفظ وحدة المسلمين، لأن حفظ وحدة المسلمين مقدمة واجبة لحفظ عزّتهم وكرامتهم ووجودهم . والتقية ـ لو فُهمت فهمًا صحيحًا ـ ليست سوى اتخاذ مايلزم لصيانة وحدة المسلمين واتقاء مايفرقهم، ولا تقتصر على مسائل حفظ النفس.

يقول السيد الحكيم:
«أنا  أعتقد أن قضية التقريب في نظرية أهل البيت قضية أساسية ورئيسية. وواجب من الواجبات الشرعية. وأول من رفع شعار التقريب بين المسلمين هم أهل البيت. ولم يرفعوه شعارًا يتحدثون عنه فحسب، بل جسدوه أيضًا حالة عملية وحاجة تطبيقية، وقدموا على طريقه تضحيات كبيرة جدًا على المستوى الشخصي لهم وعلى مستوى الجماعة والفئة التابعة لهم والملتزمة بسلوكهم ومسيرتهم. ولقد تحدثت عن مواقفهم هذه في كتاب: الوحدة الإسلامية من منظور الثقلين. وهناك مجموعة من المبادئ الرئيسية  المعروفة لدى مذهب أهل البيت تجسّد هذه الحالة مثل مبدأ التقية. هذا المبدأ هو مبدأ تقريبي، ولو طالعنا نصوصه مطالعة واعية لوجدنا أنه لا يقتصر على الجانب الأمني بل يشمل أيضا البعد التقريبي، والبعد الوحدوي وهو بُعدٌ مهم غفل عنه كثير من الباحثين. وأشرت في كتابي المذكور إلى نصوص التقية التي تكرّس هذا البعد التقريبي الوحدوي. وثمة مبدأ آخر غفل عنه كثيرمن الباحثين هو مبدأ التعايش بين المسلمين. وقد نادى أهل البيت(ع) بهذا المبدأ وهو من خصائص مدرستهم. هناك تيارات الخوارج وتيارات الجهاز الحاكم وتيارات الانتهازيين وتيارات الثوريين المنتسبين لأهل البيت(ع) مثل الزيدية الذي تبناه بعد ذلك الحسنيون بعد زيد وأولاده. وتمتاز مدرسة أهل البيت بين كل هذه التيارات بدعوتها إلى مبدأ التعايش السلمي بين المسلمين. ونرى مصاديق هذا المبدأ في دعوة أهل البيت للاشتراك في صلوات الجماعة وزيارة المرضى والاهتمام بالأمور الاجتماعية مثل تشييع الجنائز والوفاء بالعقود وغيرها من المسائل التي دعوا المسلمين جميعًا إليها، من أجل أن يؤكدوا مسألة التعايش.

وهذا مبدأ مهم لم يدرس بشكل كامل مع الأسف في أبحاثنا السياسية والاجتماعية؛ لقد تبنّى أمير المؤمنين(ع) مبدأ الحرية السياسية ومبدأ التعددية السياسية في المجتمع الإسلامي، وهو تبنّ فريد يمتاز به عن بقية الحكام. وظل أهل البيت يتبنون هذا الرأي. وهي ظاهرة سياسية مهمة. فالإمام يعتقد أن الخوارج على خطأ، وأن الزبير وطلحة وأم المؤمنين عائشة على خطأ في موقفهم، لكنه لم يتخذ موقفًا قمعيًا لإسكاتهم، وإنما ترك لهم الحرية في أن يتحركوا. وكان يكتفي بإدانة مواقفهم. وبقوا يتحركون حتى رفعوا السلاح بوجه الإمام علي(ع). عندئذ لجأ إلى مايحافظ على وحدة المسلمين. وأئمة أهل البيت تبنوا أيضا مقولة:«لاستسلمنّ ماسلمت أمور المسلمين ولم يكن الجور إلا عليّ خاصة». وهي مقولة ذات دلائل وحدوية. وهذه هي مبادئ التشيع وأفكاره. وفي تاريخنا القديم والحديث صور كثيرة تعبّر عن الموقف العملي لهذه الحالة الوحدوية».

ويرى السيد الحكيم أن مدرسة أهل البيت كانت في مواقفها العملية على مرّ التأريخ تتخذ المواقف العملية المجسّدة لمبدأ التقريب، والعصر الحديث شهد استمرار هذه المواقف.

والواقع أن الحوزة العلمية في مدينة قم كان لها مواقف رائدة في هذا المجال في العصر الحديث، وخاصة في زمن زعامة آية الله البروجردي، فمواقفه النظرية والعملية ومنهجه الدراسي والعلمي كان يقوم على أساس تحرّي مسائل الخلاف، وإزالة ماعلق في الأذهان من أوهام، والتأكيد على الجانب العملي في التعاون بين المسلمين.

أما النجف الأشرف فحاول بعضهم أن يراها متخلفة عن ركب التقريب ويرى أن خطابها المذهبي يغلب على خطابها الإسلامي، فيتصدّى السيد الحكيم لهذه الشبهة ويعدّد المواقف المعاصرة لحوزة النجف من القضايا الإسلامية مؤكدًا أنها كانت تضع القضايا الإسلامية الكبرى نصب عينيها في مواقفها، دون أن يغلب عليها الاتجاه المذهبي، ومما يذكره رضوان الله عليه في هذا المجال :-
1-«الموقف من دخول الإنجليز إلى العراق، فالعراق هو البلد الوحيد الذي اجتمع فيه المسلمون جميعًا لمواجهة الغزو البريطاني . وقاد هذه المواجهة العلماء في العراق، فأصدر علماء النجف فتوى الجهاد ضد الإنجليز، ووقفوا إلى جانب الدولة العثمانية لصدّ هذا الغزو. على أن الدولة العثمانية كانت تتبنى مواقف مذهبية متشددة قمعية تجاه غير أتباع المذهب الحنفي، من أجل فرض هذا المذهب على كل المسلمين. بالرغم من ذلك وقف علماء النجف هذا الموقف الوحدوي».

2-«وهكذا الأمر في ثورة العشرين، نجد أن الشعار المطروح هو إخراج البريطانيين من العراق، دون التفكير في البديل الحاكم، هل سيكون سنيًا أم شيعيًا. بل إن علماء النجف ذهبوا وجاءوا بحاكم سنّي من الحجاز. علماء النجف وشيعة العراق هم الذين قاتلوا، وهم الذين قدموا التضحيات، وكان همهم الأول الإسلام، ولم يكن لهم هم طائفي مذهبي. ولذلك اختاروا حاكمًا سنيًا على شرط أن يحكم بالإسلام، وحينمًا نقض هذا الحاكم مبادئ الإسلام نهضوا بوجهه بدافع إسلامي أيضًا».

3-«وفي الحرب العالمية الثانية كان للمرجعية موقف معروف في مساندتها للحركة الوطنية الرامية لتحرير العراق من الهيمنة البريطانية، فقد وقف السيد أبو الحسن الإصفهاني إلى جانب الثوار من أجل الإطاحة بالسلطة العميلة للبريطانيين».

4-«وموقف علماء النجف من حركة الإلحاد في العراق معروفة، فقد وقفوا بوجه التيار الشيوعي واليساري الذي حاول أن يهيمن على مقدرات العراق. وعلماء النجف قدموا في سبيل ذلك تضحيات جسيمة، رغم أن الظروف السياسية كانت تفرض أن لا يقفوا هذا الموقف، بل يحصلوا على مكاسب في العهد الجمهوري بعد عهود من الاضطهاد الطائفي. فالعهد الجمهوري يمثل انفراجًا للوضع الطائفي في البلد. وأعطى فرصة للشيعة كي يكونوا في جهاز الحكم وفي الأوساط العسكرية والاقتصادية، لكن علماء النجف وقفوا ضد نظام عبد الكريم قاسم المساند لتيار الإلحاد، بل وقفوا ضد هذه الحالة من الانفراج، ليحققوا مكسب وحدة المسلمين في مواجهة تيار الإلحاد الشيوعي».

5-«وموقف علماء النجف من قضية أكراد العراق وهم من أهل السنة واضح، فقد أصدر العلماء فتوى تحريم سفك دماء الأكراد، وتحريم أي عدوان عليهم. بينما وقف علماء السلطة ضد الأكراد. علماء الشيعة وقفوا إلى جانب صيانة دم الأكراد وأعراضهم، بينما وقف علماء السلطة إلى جانب العمليات القمعية ضد الأكراد».

6-«أضف إلى كل ماتقدم موقف علماء النجف من قضية فلسطين . فقد واصلوا هذا الموقف في كل مراحل القضية، وأفتوا بجواز إنفاق الأموال والحقوق الشرعية لمناصرة العمل الفدائي ضد الصهاينة. ولايزال هذا الموقف المبدئي من هذه القضية ومناصرتها قائمًا حتى اليوم».

7-«ثم إن موقف علماء النجف من الاشتراكية المعلنة في العراق قد جسد مبدئيتهم في عدم الانجراف نحو الشرق ولا نحو الغرب. فقد وقفوا بوجه التيار الاشتراكي الذي أريد له أن يكون بديلا للتيار العلماني الديمقراطي. مؤكدين رساليتهم في هذا الموقف. ودخلوا في صراع كبير لم يدخله غيرهم».

8-«ومسألة التقريب بين المذاهب، بذلت جهود كبيرة في النجف الأشرف لطرح ثقافة التقريب، ولتأليف الكتب الدراسية التقريبية، ولجعل مادة الفقه المقارن مادة دراسية في الحوزات العلمية. وهذا ماحدث في النجف لأول مرة، حيث أصبح كتاب: الأصول العامة للفقه المقارن، للسيد محمد تقي الحكيم كتابًا دراسيًا في النجف وفي كلية أصول الدين ببغداد، هذه الكلية التي كانت برعاية المرجعية الدينية. ولقد شهد تاريخ الحوزة العلمية في النجف قديمًا وحديثًا تأليف مثل هذه الكتب الفقهية المقارنة مثل كتاب تحرير المجلة للمرحوم الإمام الشيخ كاشف الغطاء في أيام الحكم العثماني. ومن قبل ألّف الشيخ الطوسي رضوان الله تعالى عليه كتاب الخلاف، والعلامة الحلّي، وهو من علماء مدرسة النجف، ألّف كتاب التذكرة وكتاب المختلف وهكذا حتى عصرنا هذا، دأب العلماء في النجف على السير على هذه النهج التقريبي ونهج توحيد المسلمين».

9-«وهناك نشاطات لدى علماء النجف من أجل إقامة علاقات مع علماء الأزهر الشريف، وخاصة شيوخ الأزهر، وكان من نتائج تلك النشاطات التقريبية أن أصدر المرحوم الشيخ شلتوت شيخ الأزهر فتواه المعروفة. طبعًا كان لسماحة آية الله العظمى السيد البروجردي(رحمه الله) في قم مسعى خاص في هذا المجال، ولكن التطورات السياسية في إيران والعراق أدت إلى أن تتواصل جهود التقريب مع الأزهر عبر علماء العراق. ولا بأس أن تعرفوا أن فتوى الشيخ شلتوت صدرت في زمن عبد الناصر، وكانت علاقات عبد الناصر بنظام الحكم في إيران آنذاك متوترة . بينما كانت حوزة النجف تخوض آنذاك حربًا مريرة ضد الشيوعيين ممّا قرّب الحوزة العلمية في النجف من سائر علماء الإسلام وخاصة علماء الأزهر. ولا بأس أن أذكر شاهدًا يمكن أن يعتبر مصداقًا لهذا التقارب الذي حدث آنئذ. حين اعترف نظام الشاه بإسرائيل، وفتح الكيان الصهيوني مكتبًا له في طهران أرسل شيخ الأزهر الشيخ شلتوت برقية إلى الإمام السيد الحكيم رضوان الله تعالى عليه، وأصدر الإمام الحكيم على أثر ذلك استنكارًا على ما أقدم عليه نظام الشاه».

10-«ومن اهتمامات مرجعية النجف في حقل التقريب، إرسال مصادر كتب الشيعة الهامة إلى المكتبات المركزية في مصر ولبنان وسوريا والسودان وغيرها من البلدان الإسلامية».

11-«ومن اهتمامات علماء النجف في حقل التقريب حضور المؤتمرات العلمية التي عقدت في القاهرة ومراكش وتونس واللقاء فيها بعلماء المسلمين والمفكرين من جميع أرجاء العالم الإسلامي. وكان التمثيل على أعلى المستويات العلمية، حضر بعض هذه المؤتمرات المرحوم الشيخ المظفر، وحضر بعضها السيد محمد تقي الحكيم».

12-«وهناك بعدٌ آخر من هذه النشاطات التقريبية يتمثل في إقامة علاقات بين الكليات والمعاهد العلمية الدينية في النجف الأشرف وبغداد والكليات المماثلة في العالم الإسلامي، أهمها كليات الشريعة في القاهرة. وكان للسيد محمد تقي الحكيم والعلامة السيد مرتضى العسكري نشاط خاص ومساع جادة في مجال التقريب على هذا البعد».

رضوان الله عليكم سيدنا الحكيم وسلام عليكم يوم ولدت ويوم استشهدت على يد دعاة الطائفية المتخلفين ويوم تبعث حيًا.

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل