أكد سماحة آية الله الشيخ جعفر السبحاني أن “حب النبي” ليس بدعة بل هو ركن أساسي من أركان الإيمان، وأنّ من يبغضه (صلى الله عليه وآله) فهو كافر، ودعا الشباب إلى الهجرة العلمية للتفقه في الدين ثم العودة منذرين.
في المراسم الافتتاحية للعام الدراسي 1405- 1404 هـ . ش للحوزة العلمية، والتي أقيمت أمس الأحد 7 سبتمبر 2025 م الموافق 14 ربيع الأول 1447 هـ .ش في المدرسة الفيضية بمدينة قم تناول سماحة آية الله الشيخ جعفر السبحاني خلال كلمته موضوع الاحتفالات بمولد النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) والإمام الصادق (عليه السلام)، قائلاً: “إن المجالس التي تقام في عموم البلدان الإسلامية – عدا المناطق التي ينتشر فيها أتباع الفكر الوهابي – تُعرف جميعها باسم احتفالات المولد النبوي الشريف”. وأشار سماحته إلى أن “المعارضين لهذه المراسم يصفونها بالبدعة، مستندين إلى عدم إقامتها في عصر النبي (صلى الله عليه وآله)، وهم يبذلون جهداً حثيثاً في سبيل منعها”.
وسلط سماحته الضوء على التعريف الشرعي للبدعة، موضحاً أنها “ما ليس له دليل في الكتاب والسنة”، مضيفاً شرطاً آخر وهو “أن يُدخَل ذلك العمل في عداد الدين ويُمارس بوصفه حكماً شرعياً”. وأردف قائلاً: “وعليه، فإن بعض الأعمال المباحة – كالألعاب المعاصرة – تُعد من الناحية اللغوية بدعة، لكنها لا تُصنف شرعاً كذلك لأنها لا تُؤدّى بوصفها جزءاً من الدين. ومن هنا، يجب اجتماع القيدين: انعدام الدليل في القرآن والسنّة، والإدخال في عداد الدين. ومما يُحمد فيه أن لمراسم المولد النبوي أصلاً قرآنياً وسنداً روائياً متيناً”.
واستشهد سماحته بالآية الكريمة «فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ»، مفنداً الرأي القائل بترادف «عَزَّرُوهُ» و«نَصَرُوهُ»، ومؤكداً أن الأولى تعني “التعظيم والإجلال” بينما الثانية تعني “المؤازرة والمناصرة”. ثم طرح تساؤلاً: “أليس تجمع المسلمين في هذه المناسبة، وترديدهم الآيات والروايات التي تُجلّي سيرة النبي (صلى الله عليه وآله)، مع اجتناب أي محرّم، مصداقاً صريحاً لهذه الآية؟” فأجاب: “بلى، إنه كذلك”.
ولم يفت سماحته التذكير بالآية «وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ»، مستنبطاً منها أن “رفع الذكر النبوي لا يتحقق عبر الأذان فحسب، بل إن إحياء هذه المجالس يُعدّ من أظهر مصاديقه”.
وانتقل سماحته إلى صلب الإيمان، فصرّح بأن “محبة النبي (صلى الله عليه وآله) من الأصول الأصيلة للإسلام، حتى أنّ مَن يؤدي الفرائض ولكن يكنّ في قلبه بغضاً للنبي (صلى الله عليه وآله) فهو كافر، بل وحتى من يقصّر في إظهار الاكتراث والاهتمام به (صلى الله عليه وآله) فلا يُعدّ مؤمناً حقاً”. مؤكداً أنّ “إظهار المحبة – عبر تلاوة الآيات والأحاديث النبوية – عبادةٌ بحد ذاتها، وأن هذه المجالس ليست بدعة بل هي عين الشريعة وأصيلة في نصوصها”.
وتطرق سماحته إلى تفسير الآية «وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً…»، مشدداً على أن الآية “لا تختص بأهل المدينة المنورّة فحسب، بل تشمل كل منطقة تحتاج إلى دعوة، كالطائف ومكة سابقاً، أو كِرمان وبَم في زماننا”. ودعا سماحته الشباب إلى “الهجرة” نحو مراكز العلم (الحوزات) للتفقه في الدين، ثم العودة إلى مناطقهم لإنذار قومهم.
واستعرض سماحته الإرث التاريخي للحوزات العلمية الذي يمتد لألف عام، داعياً إلى “الحفاظ على تقاليدها المجرّبة والناجحة، وعلى رأسها النظام التعليمي الحيوي القائم على أن يكون كل فرد «مدرّساً» و«متدرّساً» في آن واحد، بحيث تستفيد كل طبقة علمية من التي فوقها”، معتبراً ذلك “تجربةً ثمينة يجب إحياؤها لضمان استمرارية العطاء”.
وفي تشخيصه لواقع الحوزة وآفاقها، حدد سماحته ركيزتين أساسيتين: “تربية الفقيه العالم، وتربية الخطيب المبلغ”، مؤكداً على “ضرورة كل منهما وتكاملهما”. كما لفت إلى “حاجة الساحة إلى خطباء متمكنين يجمعون بين العلم الديني الرصين، والإحاطة بهموم المجتمع، وإتقان فنون الإقناع والبيان”.
وختم سماحتُه حديثَه بالتأكيد على “تعزيز مهارة الكتابة بالعربية، والحفاظ على الهيبة والروح العلمية الأصيلة لطالب العلم، وترشيد التخصصات وتوجيهها نحو القضايا الأساسية في زمن كثرت فيه الشبهات، والجدية في الدراسة وتقليل فترات التوقف عن الدروس”.