السيد وديع الحيدري
إنّ معاقبة الأمم السابقة من قبل الله سبحانه وتعالى ليست بالأمر الذي يخفى على أحد ، فالآيات التي تتحدث عن تلك العقوبات في القرآن الكريم ليست بالقليلة ، وهي من السنن الإلهية الثابتة التي تجري على الأمم التي تتخلف عن الحق وعمّن يمثله من الأنبياء والأوصياء ، ومن ينوب عنهم في كل زمان .
فأصل العقوبة أمر ثابت لا تبديل فيه ولا تحويل ، إلا أنّ الاختلاف يقع في نوع العقوبة وتفاصيلها، وإنّ أهم العقوبات التي عوقبت بها الأمم على مرّ العصور يتمثل في تسلط الظالمين على رقابها .
فمن الواضح الذي لا لبس فيه أنّ الأمّة التي تتخلف عن نصرة الحق ، فإنها بعملها هذا تكون قد نصرت الباطل ، ومهّدت له الطريق لاستلام زمام الأمور ، أو تكون قد أعانت على بقائه وإدامة حكمه واستمرار ظلمه .
روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال :
(أيها الناس لو لـم تتخاذلوا عن نصر الحق ولـم تهنوا عن توهين الباطل ، لـم يطمع فيكم من ليس مثلكم ، ولـم يقوَ من قوي عليكم).
فالتخاذل عن نصرة الحق هو السبب الرئيسي في تسلط الظالمين على رقاب الناس ، والأمثلة على ذلك كثيرة ومتكررة على مرّ التاريخ وخارجة عن حد الإحصاء ، فما ترى من نبي أو وصي أو نائب لهما ، قد أقصي أو سجن أو قتل ، أو اضطهد من قبل سلطان الجور ، إلا وكان السبب في ذلك يأتي من قلّة أنصارهم وكثرة المتخلفين عن ركابهم .
روي عن الإمام الحسين عليه السلام أنه قال في خطبة له عن سبب تسلط الظالمين جاء فيها :
(فلا مال بذلتموه ، ولا نفس خاطرتم بها للذي خلقها ، ولا عشيرة عاديتموها في ذات الله… ،
ذلك بأنّ مجاري الأمور والأحكام على أيدي العلماء بالله ، الأمناء على حلاله وحرامه ، فأنتم المسلوبون تلك المنزلة ، وما سُلبتم ذلك إلّا بتفرّقكم عن الحق واختلافكم في السنّة بعد البيّنة الواضحة… ،
ولكنّكم مكّنتم الظلمة من منزلتكم ، وأسلمتم أمور الله في أيديهم ، يعملون بالشبهات ، ويسيرون في الشهوات ، سلّطهم على ذلك فراركم من الموت و إعجابكم بالحياة التي هي مفارقتكم… ، إلى أن قال عليه السلام :
فإنكم إلا تنصرونا وتنصفونا قوي الظلمة عليكم ، وعملوا في إطفاء نور نبيكم ، وحسبنا الله وعليه توكلنا وإليه أنبنا وإليه المصير).
فلم تُسلب الأمم شيئاً من بركات السماء والأرض مثل ما تسلب الأمّة المسلط عليها الحاكم الظالم والسلطان الجائر ، فهي نوع عقوبة تجلب معها إن وقعت صنوف البلاء وأنواع الابتلاء .
ولولا كونها عقوبة لما دعا الإمام أمير المؤمنين والإمام الحسين عليهما السلام بأن يسلط الله على الأمّة التي خذلتهما غلام ثقيف ، وهو الحجاج بن يوسف الثقفي .
فقد روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال :
(اللهم كما ائتمنتهم فخانوني ، ونصحت لهم فغشوني ، فسلط عليهم فتى ثقيف).
وروي عن الإمام الحسين عليه السلام أنه قال في دعائه على القوم في يوم عاشوراء :
(اللهم احبس عنهم قطر السماء ، وابعث عليهم سنين كسني يوسف ، وسلط عليهم غلام ثقيف يسقيهم كأساً مصبّرة… ، فإنهم غرونا وكذبونا وخذلونا ، وأنت ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير).
فالنتيجة التي يمكن استخلاصها مما تقدم ، أن تسلط الحاكم الجائر يدل عن استحقاق الأمّة ، وكما ورد في الحديث النبوي الشريف : (كيفما تكونوا يولّى عليكم) .
وقوله صلى الله عليه وآله أيضاً :
(إنما هي أعمالكم تُردّ عليكم).
(ذَٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ).