لوحة “عصر عاشوراء” هي من اللوحات التي تُظهر موضوعاً تاريخياً ولا تشي بمشاعر الرسام تجاه الموضوع فحسب، بل ترتكز على الاعتقاد والإيمان الداخلي الذي ينضح بهما. في الحقيقة هذه اللوحة هي إحدى أكثر اللوحات شهرة للأستاذ فرشجيان وكان قد أبدعها في العام ١٩٧٦م.
عن قصة رسمِه لوحة “عصر عاشوراء”، يروي الرسّام والأسطورة الإيرانية في الفنّ التشكيلي الأستاذ فرشچیان: “قبل انتصار الثورة الإسلامية بثلاث سنوات، وفي يوم عاشوراء قالت لي أمي: إذهب واستمع لعزاء الحسين لتدرك بعض المعاني العظيمة، قلت لها: لديّ الآن عمل؛ لا أستطيع، سأذهب لاحقاً.
دخلت إلى الغرفة، لكني شعرت بالانزعاج. أصابتني حالة عجيبة. تناولت الريشة وشرعت بلوحة “عصر عاشوراء”. عندما أمسكت الريشة رسمت هذه اللوحة التي بين أيدينا بدون أن أقوم بأي تغيير عليها. والآن وبعد مُضي ثلاثين عاماً ونيّف أمعن النظر في هذه اللوحة وأجد بأنني لو أردت أن أرسم هذه اللوحة اليوم لما فعلت إلا ما هو بين يدي الآن، دون أي تغيير. ثمة شيء في هذه اللوحة يؤثر كثيراً في نفسي.
حكاية لوحة عصر عاشوراء
لا يُشاهَد في هذه اللوحة الموضوع المحوري لها، فالإمام الحسين عليه السلام وهو المحور الرئيس للوحة، ليس يُرى”.
نتساءلُ اليوم، كلما أمعنّا النظر في تفاصيل اللوحة، ما الدافع الذي كان وراء إبداع هذه اللوحة الخالدة لدى الأستاذ فرشجيان؟
يبدو من اسم اللوحة أن عصر عاشوراء هو النقطة المهمة في واقعة عاشوراء. فواقعة عاشوراء حصلت في يوم واحد يعني أنها بدأت منذ تاسوعاء ليلاً واستمرت حتى صباح عاشوراء إذ بدأ القتال وانتهت ظهراً. بالطبع إن الجذور التاريخية لهذه الواقعة كانت منذ حين، كما أن التأثيرات التي خلّفها ظهر عاشوراء ما زالت حتى الآن.
وكتب المستشار الثقافي الايراني في بيروت الدكتور عباس خامه يار على موقع التواصل الاجتماعي الفيسبوك ثمة تضاد في لوحة “عصر عاشوراء” للأستاذ فرشجيان، بمعنى أننا نرى كل لحظة تبيّن الانكسار والانتصار في آنٍ معاً. لو أردنا هنا تعريف الرمز لقلنا إن الرمز هو شيء يبدو في تعريفه تضاده. عصر عاشوراء هو رمز عاشوراء. في ظاهره الانكسار والهزيمة لكن في باطنه النصر. هذا التضاد يوصل إلى أمر واحد يبدو تجليه لدى محبي اهل البيت .
ميزات لوحة “عصر عاشوراء”:
إنّ لوحة “عصر عاشوراء” لمبدعها الأستاذ فرشجيان، لها ميزات خاصة تعطيها مكانة خاصة بين آثاره الفنية.
– الميزة الأولى لهذا العمل هي استخدام الإطار الأفقي خلافاً لباقي آثار الفنان التي تعتمد على الإطار العمودي. وهذا ما يظهر حالة من السكون والإنهاك.
– يظهر التكوين الدائري داخل الإطار الأفقي حالة من جزع الأفراد ودورانهم حول محور لإظهار العزاء في ذلك.
– الحصان في مركز الإطار هو النواة الرئيسة التي تستقطب رؤية المشاهد وهو ما يركز أكثر على كون الإطار أفقياً (الخط تحت حافر الحصان).
– يتحدث طرف الخيمة في أعلى الجهة اليمنى، عن مصيبة قد حلّت في عالم الوجود. على الرغم من أنها تشير إلى خيام الأصحاب أيضاً، لكن وكأنها قد امتدت إلى عنان السماء.
– خط الأرضية يشير إلى جفاف الصحراء القاحلة التي لم يبق فيها رمق من شدة العطش وتتجه نحو البياض، كالإنسان حين يشتد عطشه فتجف شفاه وتبدو دون رمق وحيوية.
– الألوان الغامقة مع السطوع البنفسجي يلقي في روع المشاهد الحزن المؤلم للمتبقّين. إن إخفاء وجه الشخصيات داخل الإطار لعله يعود لهدفين أولهما احترام الرسام للشخصيات المعروضة في لوحته وثانيهما هو الإحساس الذي ينتاب المشاهد بأنه لا ينبغي لأحد أن يرى الحزن والألم الشديدين لتلك الشخصيات. شعر الحصان الأشعث والمضطرب حتى حالة عيونه وإلقاء رأسه نحو الأسفل وبقع الدماء على جسمه جميعها تشير إلى مصيبة وفاجعة قد حلّت بأصحابها.
لقد رُتّبت جميع عناصر الإطار بشكل ماهر جداً وبقليل من التأمل يمكن إدراك عمق هذه الفاجعة جيداً.
اللوحة قطعة فنية لا شك ستكونُ من الآثار الخالدة في تاريخ الفن والرسم، لأن فيها أبعادٌ مدروسةٌ – رغم التلقائية التي دفعت فرشجيان إلى الرسم- لمعالم واقعةٍ حقيقيةٍ مزجت بين مفاهيم الحق، الخير، المقاومة، الصمود، الشهادة، العقيدة والإيمان وغيرها.