يختلف الإنسان عن غيره من الكائنات والمخلوقات بكونه كائناً عاقلاً مدركاً يملك إرادة وقدرة على الاختيار بما أفاض الله عليه من قوة عقلية عظيمة، ووهبه من حق في اختيار السلوك والأعمال، فهو يستطيع بذلك الاستعداد أن يفعل الخير، أو يختار طريق الشر، وأن يتوجه الى الله ويرتبط به كما يستطيع أن يتمرد على أوامر الله وشريعته، فيختار طريق الانحراف والعصيان.
وهو بعلاقته هذه مع الله يختلف تماماً عن علاقته التكوينية التي تحدثنا عنها، ففي العلاقة التكوينية كان مجبراً، مسيراً، لا يملك إرادة ولا اختياراً.
أما في العلاقة الثانية تنظيم الرابطة السلوكية بينه وبين الله فهو كائن مريد، مختار، يستطيع أن يختار الطريق الرباني الموصل الى مرضاة الله ــ أي يختار طريق العبودية لله ــ كما يستطيع أن يختار طريق الضلال الذي هو طريق العبودية والخضوع لغير الله، فيعبد ذاته أو شهواته فيخضع لها، أو يتخذ طواغيت البشر المستبدين آلهة يقدسهم، ويأتمر بأوامرهم ويلتزم بإرادتهم ويخضع نفسه لهم.
هذه العبودية التي يختارها الإنسان سواء العبودية لله أو لغير الله، هي عبودية إختيارية، اختارها الإنسان بمحض إرادته، لذا كان مسؤولاً عنها ومحاسباً عليها يوم الجزاء.
قال تعالى: ﴿وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ﴾ الصافات/42.
﴿وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ كِتَاباً يَلقَاهُ مَنشوراً اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ اليَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً مَنْ اهْتَدَى فإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ، وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذَّبِينَ حَتَّى نَبْعَثُ رَسُول﴾ الإسراء/31 – 51.
لا بد من عبودية:
﴿وَلِكُلٍ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ أَيْنَمَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ البقرة/841.
وإذا لا بد للإنسان من معبود في حياته تخضع له ذات الإنسان، وتتجه نحوه بإرادته، لأنه لا بد لكل إنسان في حياته من باعث على الفعل والسلوك الذي يختاره في الحياة، ولا بدّ له من غاية يتوجه إليها في حياته، فتكون هذه الغاية هي القوة المحفزة له على إتيان الأفعال والنشاطات، وهي الدافع والمنطلق في كل فعل يختاره أو يرفضه، فيكون ذلك المبدأ وتلك الغاية هي معبودَهُ وإلهه ــ وإن لم يقل هي إلهي ــ الذي يتوجه إليه بكل أفعاله..
وتتعدد هذه الغايات والمنطلقات حسب وعي الإنسان واختياره، فقد يكون معبوده الله سبحانه وتعالى، وقد يكون هواه.
قال تعالى: ﴿أرأيت مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيل﴾ الفرقان/34.
وقد يكون الطاغوت من البشر والجبابرة، فإن كانت غايته ودافعه الى العمل هو الله سبحانه، كانت عبودية لله وحده، أما إن كانت الغاية والدافع هي غير الله، كانت عبوديته الى ذلك الغير الذي يسيطر على تفكيره ومشاعره وأعماله.
ويمكننا على هذا الأساس أن نصنف عبودية الإنسان الاختيارية الى عبوديتين.
بين العبادة والعبودية، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية