عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله): “من أدمن إلى المسجد أصاب الخصال الثمانية: آية محكمة، أو فريضة مستعملة، أو سنة قائمة، أو علم مستطرف، أو أخ مستفاد، أو كلمة تدله على هدى أو ترده عن ردى، وترك الذنب خشية أو حياء”.
فإذا أدمن الإنسان المسجد أصاب كل هذا الخير وكان من المهتدين، كما أخبر اللَّه سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ﴾([1]) .
يقول الإمام الخميني (قدس سره): “المحراب هو موضع الحرب، موضع المواجهة والحرب ضد الشيطان والطواغيت”([2]).
في كلمته هذه، يبيّن الإمام الخميني قدس سره دوريـن جهاديـين للمسجد، أحدهما جهاد النفس والشيطان والآخر جهاد طواغيت الدنيا.
فجهاد النفس والشيطان هو من أدق الأمور وأصعبها حتى أعطته الروايات لقب الجهاد الأكبر.
هذا الجهاد الذي سيلقي بظلاله على حركة الإنسان كلها في الدنيا وعلى مصيره في الآخرة، حرب مع الشياطين ومع النفس الأمارة بالسوء ومع زيف الدنيا…
ولكل حرب دروعها ومتاريسها وخنادقها، والمسجد هو الدرع والمتراس والخندق لهذه الحرب، وهجرانه يعني الوقوف في العراء أمام سهام العدو وأدواته، وهو بالتالي مقتل الإنسان وهزيمته في هذه المعركة!
فالمسجد هو الضمان الأساس للفوز في هذه المعركة الدقيقة والصعبة.
ولكن هل هذا يعني أن نقصر دور المسجد على المستوى الفردي؟ أم أن للمسجد دوراً اجتماعياً واسعاً أيضاً؟
لا شك أن للمسجد أدواراً أخرى أساسية ومهمة:
دوره الاجتماعي
يقول الإمام الخميني (قدس سره): “كان المسجد الحرام والمساجد في زمن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) مركزاً للحروب، ومركزاً للقضايا الاجتماعية والسياسية، فلم يقتصر دور مسجد الرسول (صلى الله عليه وآله) على المسائل العبادية كالصلاة والصوم، بل كانت المسائل السياسية أكثر من ذلك وكان يبدأ من المسجد متى ما أراد تعبئة الناس وإرسال الجيوش”([3]).
ولنشر هنا إلى بعض هذه الأدوار:
العلم والتعلم
لقد أكد الإسلام على حركة التعلم في المسجد، وقد ورد في الرواية أن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) خرج فإذا في المسجد مجلسان، مجلس يتفقهون ومجلس يدعون اللَّه ويسألونه، فقال: “كلا المجلسين إلى خير، أما هؤلاء فيدعون اللَّه، وأما هؤلاء فيتعلمون ويفقهون الجاهل، هؤلاء أفضل بالتعليم، أرسلت لما أرسلت ثم قعد معهم”([4]).
الدور السياسي
يتميز الإسلام بشموليته، فاللَّه تعالى ومن خلال لطفه المطلق أراد تلبية حاجات الإنسان كلها وتأمين متطلباته التشريعية التي تكفل سعادته وحل مشاكله كلها ومن جميع الجهات، فالإسلام لم يأتِ بتكليف الإصلاح دون أن يعطي دواءه الناجع، بل أعطى الدواء ثم كلف الإنسان باستخدامه، فكمُل اللطف وتمّت الحجة.
ومن هنا نجد أحكام الإسلام التي اهتمت بالمجتمع الإنساني وتوجهاته السياسية من سلم وحرب ومناهج ووسائل وأخلاقيات… فليس غريباً أن نجد المسجد الذي يعبّر عن قلب الإسلام الصافي قد اقتحم السياسة ليضفي عليها هدايته ورونقه الإلهي الخاص.
يقول الإمام الخميني (قدس سره): “المسجد هو مركز التجمعات السياسية”([5]).
فالسياسة في الإسلام لها اهتمامها الخاص وقد كان نبي الإسلام (صلى الله عليه وآله) صاحب الدولة ورأس الهرم في سياسة المجتمع الإسلامي، والتجمعات السياسية هي دور من الأدوار التي كان يؤديها المسجد على امتداد التاريخ.
يقول الإمام الخميني (قدس سره): “لم يقتصر مسجد الرسول (صلى الله عليه وآله) على المسائل العبادية كالصلاة والصوم، بل كانت المسائل السياسية أكثر من ذلك”([6]).
الدور الجهادي
المسجد لم يغب عن الحركة الجهادية أيضاً، حيث كان يعتبر مكان انطلاق الجيوش للزود عن الإسلام وإعلاء كلمة لا إله إلا اللَّه.
يقول الإمام الخميني (قدس سره): “كان المسجد الحرام والمساجد في زمن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) مركزاً للحروب”([7]).
وهكذا فإن المسجد كان على امتداد العصور محور حركة الإنسان المسلم لينطلق من خلاله إلى عبادة اللَّه تعالى والارتشاف من كأس معنويات الصلاة والدعاء… وليتزود ضمن حلقاته علماً نافعاً يعرف به ربه ويتعلم فيه تكليفه، وليعيش في زواياه هم الأمة الإسلامية من شرقها إلى غربها، فيشحذ همته لينطلق من هناك سيفاً من سيوف اللَّه تعالى في أرضه.
المسجد أهميته ودوره في الإسلام، الوحدة الثقافية المركزية
([1]) سورة التوبة، الآية/18
([2]) الكلمات القصار، صفحة 64
([3]) منهجية الثورة صفحة 478
([4]) منية المريد صفحة 106
([5]) كلمات قصار صفحة 64
([6]) منهجية الثورة، ص478
([7]) منهجية الثورة، ص478