أيّها العزيز، اغتنم وقت المناجاة في الصلاة بالقدر الميسور والمقدار المقدور، وقم بآدابه القلبيّة، منها الوقت، ومنها المعروف ليقودك شوقك إلى الله.
•آداب الوقت
1- فَهِّم قلبك أنّ أساس الحياة الأبديّة الأخرويّة، ومنبع الفضائل النفسانيّة، ورأسمال الكرامات، هو المراودة والمؤانسة مع الحقّ ومناجاته، وخصوصاً الصلاة؛ فإنّها مرهم روحانيّ، قد أُعدّ بيدَي جمال الحقّ وجلاله، وهي أجمع وأكمل من جميع العبادات.
2- فبمقدار ما يمكنك، حافظ على أوقاتها، وانتخب أوقات فضيلتها، فإنّ فيها نوراً ليس في غيرها من الأوقات.
3- وأقلل فيها من الاشتغالات القلبيّة، بل اقطعها. وهذا يحصل إذا قسّمت أوقاتك، وعيّنت للصلاة المتكفّلة لحياتك الأبديّة وقتاً خاصّاً، لا يكون لك فيه أشغال أُخر، ولا تكون للقلب تعلّقات أخرى.
•أحوال المعصومين عليهم السلام عند حضور وقت الصلاة
والآن، نذكر الأحاديث الواردة في أحوال المعصومين عليهم السلام، فلعلّه بالتدبّر في حالات أولئك الأكرمين يحصل الانتباه، ويتمّ التنبيه، وتدرك عظمة الموقف وأهميّة المقام وخطره، وتستيقظ من نوم الغفلة. فعن بعض أزواج النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: “كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحدّثنا ونحدّثه، فإذا حضرت الصلاة فكأنّه لم يعرفنا ولم نعرفه، شغلاً بالله عن كلّ شيء”(1).
وعن الإمام عليّ عليه السلام: كان إذا حضر وقت الصلاة، يتململ ويتزلزل ويتلوّن، فيقال له: ما لك يا أمير المؤمنين؟ فيقول عليه السلام: “جاء وقت الصلاة، وقت أمانة عرضها الله على السموات والأرض والجبال، فأبَيْنَ أن يحملنها، وأشفقْنَ منها”(2).
ونُقل أنّ الإمام الحسين عليه السلام كان إذا توضّأ يتغيّر لونه وتضطرب مفاصله، فقيل له في ذلك، فقال: “حقّ لمن يقف بين يدي ذي العرش أن يصفرّ لونه وتضطرب مفاصله”(3)، ونقل عن الإمام الحسن عليه السلام أيضاً مثل ذلك(4). وعن الإمام عليّ بن الحسين عليه السلام أنّه كان إذا حضر للوضوء اصفرّ لونه، فيقال له: ما هذا الذي يعتريك عند الوضوء؟ فيقول: “ما تدرون بين يدي من أقوم؟”(5).
•المعرفة تولّد الشوق إلى الملاقاة
ونحن أيضاً إذا تفكّرنا قليلاً، وفهّمنا قلبنا المحجوب المطرود أنّ أوقات الصلاة هي أوقات الحضور في جناب القدس لحضرة ذي الجلال، وأنّ الحقّ تعالى ملك الملوك في تلك الأوقات دعا عبده الضعيف اللاشيء إلى مناجاته، وأذن له في الدخول إلى دار كرامته حتّى يفوز بالسعادات الأبديّة ويجد السرور والبهجات الدائميّة، لكنّا مبتهجين ومسرورين من دخول وقت الصلاة بمقدار معرفتنا.
وإذا استشعر القلب عظمة المقام وخطره، يحصل فيه الخوف والخشية بمقدار فهم العظمة. وحيث إنّ قلوب الأولياء مختلفة وحالاتهم متفاوتة بحسب التجلّيات اللطفيّة والقهريّة واستشعار العظمة والرحمة، فحيناً يحملهم الشوق إلى الملاقاة واستشعار الرحمة والجمال على السرور والبهجة، ويقولون: “أرحنا يا بلال”(6)؛ وحيناً تجعلهم التجلّيات بالعظمة والقهر والسلطنة في حالة الصعق والارتعاش والرعدة.
•رحمة الذات المقدّسة
وبالجملة، أيّها الضعيف، إنّ الآداب القلبيّة للأوقات هي أن تهيّئ نفسك للدخول إلى حضرة مالك الدنيا والآخرة ومخاطبة الحقّ جلَّ وعلا ومكالمته؛ فانظر بعينٍ إلى ضعفك ومسكنتك وذلّتك وعجزك، وبعينٍ أخرى إلى العظمة والجلال والكبرياء للذات المقدّسة جلّت عظمته، الذي كان الأنبياء والمرسلون والملائكة المقرّبون يصعقون جنب عظمته، وبالعجز والمسكنة والذلّة يعترفون.
فإذا نظرت بهذه النظرة وفهّمت قلبك، فليستشعر القلب الخوف ويرى نفسه وعباداته لا شيء… وانظر بعينٍ أخرى إلى سَعة رحمة الذات المقدّسة وكمال عطفها وإحاطة رحمانيّتها، حيث إنّه أذن للعبد الضعيف، مع ما فيه من أنواع التلوّثات ومنتهى العجز والمسكنة، في الدخول إلى حضرة قدسه، ودعاه إلى مجلس أنسه. فإذا توجّه القلب إلى ذلك، سيحصل له الأنس، ويستشعر الرجاء والأمل.
•شمول الرحمة الإلهيّة
فهيّئ نفسك للحضور بقدمي الخوف والرجاء والرهبة والرغبة بقلبٍ خجلٍ وفؤادٍ وجلٍ، واستشعار الانكسار والذلّة والضعف والمسكنة، ولا ترَ لنفسك أيّ لياقة للحضور في هذا المحضر، ولا تعدّ نفسك لائقاً للعبادة والعبوديّة؛ فإنّك إذا جعلت ذلّتك نصب عينيك، وتواضعت لذات الحقّ المقدّسة بروحك وقلبك، وعددت نفسك وعبوديّتك لا شيء، يتلطّف الحقّ تعالى ويرفعك ويخلّعك بخلع كراماته.
(*) مقتبس من كتاب: الآداب المعنويّة للصلاة، الفصل الرابع، في الآداب القلبيّة للصلاة (بتصرُّف).
1.المحجّة البيضاء، الكاشاني، ج1، ص379.
2.عوالي اللآلي، الأحسائي، ج61، ص324.
3.العوالم، البحراني، ص61.
4.مستدرك الوسائل، النوري، ج1، ص354.
5.جامع السعادات، النراقي، ج3، ص263.
6.بحار الأنوار، المجلسي، ج79، ص193.