نقل الشيخ عبّاس القمّي في كتاب “مفاتيح الجنان”، زيارة حجّة الله على العباد، عن كتاب “الاحتجاج”، وفيها توجيه الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف إلى محمد الحميري للزيارة التي سُمّيت “زيارة آل يس”، قوله: “إذا أردتم التوجُّه بنا إلى الله تعالى وإلينا، فقولوا كما قال الله تعالى: سَلامٌ عَلى آلِ يس، السَّلامُ عَلَيْكَ يا داعِيَ الله وَرَبَّانِيَّ آياتِهِ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا بابَ الله وَدَيَّانَ دِينِهِ”(1).
هكذا يبدأ القسم الأول من زيارة صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف المعروفة بزيارة آل يس.
* من معين الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف
تبدأ الزيارة بالسَّلام. والسَّلام خطابٌ، وتواصل وتعبيرٌ عمّا يجولُ في النفس من معانٍ إيجابيَّة مبنيَّة على السلام والأمان. السَّلام هنا على صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف القائد والقدوة، المتحلِّي بصفات الكمال، رغبةً في إعلان الولاء، وتقديم الطاعة، واتِّباع أوامره ونواهيه المستقاة بأجمعها من أوامر الله تعالى ونواهيه.
السَّلام هنا، لافتتاح العلاقة، والتزوُّد من معين الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف، تثبيتاً للاستقامة، وتأكيداً للبيعة.
* نحن آل يس
يس هو اسم من أسماء النبيّ محمّد صلى الله عليه وآله وسلم. قال تعالى في سورة يس: ﴿يس*وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ*إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ (يس:1-3).
وآل يس هم آل البيت عليهم السلام، فعن الإمام الصادق عليه السلام: “يس محمّد صلى الله عليه وآله وسلم ونحن آل يس”(2).
وقد ميَّزهم الله تعالى بالسلام عليهم دون غيرهم من آل الأنبياء، فعن الإمام الرضا عليه السلام في مجلس المأمون مخاطباً العلماء الحاضرين، قال: “فإنَّ الله عزَّ وجلَّ أعطى محمّداً وآلَ محمّد من ذلك فضلاً لا يبلغُ أحدٌ كُنْهَ وَصْفِه، إلَّا من عَقِلَه، وذلك أنَّ الله عزَّ وجلَّ لم يُسلِّم على أحدٍ إلَّا على الأنبياء عليهم السلام، فقال تبارك وتعالى: ﴿سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ﴾، وقال: ﴿سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ﴾، وقال: ﴿سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ﴾، ولم يقل: سَلَامٌ على آل نوح، ولم يقل: سَلَامٌ على آل إبراهيم، ولا قال: سَلَامٌ على آل موسى وهارون، وقال عزَّ وجلّ: ﴿سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ﴾، يعني آل محمد عليهم السلام”(3).
تبدأ الزيارة بالسلام على آل البيت عليهم السلام كثُلَّةٍ واحدةٍ مترابطة، يتفرَّع عنها خاتمها الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف، فتُتابِع بالسَّلام عليه: “السَّلامُ عَلَيْكَ يا داعِيَ الله وَرَبَّانِيَّ آياتِهِ”.
داعِيَ الله هو الدَّاعي إلى الله وشريعته، إلى سبيل الله تعالى، عن الإمام الرضا عليه السلام:
“الإمامُ أمينُ الله في خلقه، وحُجَّته على عباده، وخليفتُه في بلاده، والدَّاعي إلى الله، والذَّاب عن حرم الله…”(4).
والرَبَّانِيُّ هو الموصوف بعِلْمِ الرَّب، والرَّاسخ في العِلْم والدِّين، أو الذي يطلبُ بعِلْمِه وجهَ الله تعالى(5)، فالإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف رَبَّانِيُّ آياتِ الله تعالى؛ أي المُظهِر لآياتِه من موقع الرَّاسخ في العِلْم الربَّاني.
* علّمنا كيف نُسلّم عليه
“السَّلامُ عَلَيْكَ يا بابَ الله وَدَيَّانَ دِينِهِ”، فمن أراد الوصول إلى الله تعالى، لا بدَّ أن يدخل من الباب،
والإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف هو بابُ الله الموصِل إليه.
أمَّا ديَّان دينه فهو الذي دانَ بدين الله تعالى، فقام بتطبيقه على أكمل وجه، فمن خاطب الإمام عليه السلام
كان كالدَّاخل من الباب بالتطبيق السليم للوصول إلى الله تعالى.
“السَّلامُ عَلَيْكَ يا خَلِيفَةَ الله وَناصِرَ حَقِّهِ”.
وردت روايات كثيرة عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وآل البيت عليهم السلام تحدثت عن الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف بأنَّه خليفة الله، فعن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم:
“إذا رأيتم الرَّايات السّود خرجت من قبل خراسان، فأتوها ولو حبواً على الثلج، فإنَّ فيها خليفة الله المهدي”(6).
إنَّه الخليفة الذي يظهرُ في آخر الزَّمان ليطبِّق تعاليم الله تعالى وينشر دينه على المعمورة
وهو بهذا التكليف ناصرُ دين الله وحقّه.
“السَّلامُ عَلَيْكَ يا حُجَّةَ الله وَدَلِيلَ إِرادَتِهِ”.
أرسل الله تعالى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم حجّة على الناس
ليُعرّفهُم طريق الصلاح والهداية، ومن بعده الأئمّة عليهم السلام
حجج الله تعالى على عباده ليبيِّنوا لهم، ويحمّلوهم المسؤولية، وإمامنا المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف
خاتم حجج الله تعالى على البشر، وهو الذي يدلّنا على إرادة الله تعالى منَّا
فنكون على بيِّنة من أمرنا في هذه الحياة الدنيا.
“السَّلامُ عَلَيْكَ يا تالِيَ كِتابِ الله وَتَرْجُمانَهُ”.
الترجمان هو المفسِّر للكلمات والمعاني بلغة يفهمها المستمع، فالإمام هو الذي يقرأ كتاب الله حقَّ القراءة
وهو الذي يفسِّرهُ ويبيّن مضمونه وتعاليمه للناس.
بعد أن علَّمنا الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف في الزيارة
كيف نسلِّم عليه بصفاته ودوره العظيم، يتابع: “السَّلامُ عَلَيْكَ فِي آناءِ لَيْلِكَ وَأَطْرافِ نَهارِكَ”
أي في أوقات ليلك وبداية نهارك ونهايته، لخصوصيّة حدود الليل والنهار
عند الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف، والتي قد تختلف عن حدودهما بالنسبة إلينا.
* “أنا بقيّة الله في أرضه”
“السَّلامُ عَلَيْكَ يا بَقِيَّةَ الله فِي أَرْضِهِ”.
فأنتَ البقية من المعصومين الذين تتالوا على البشرية لقيادتها وهدايتها، وأنت خاتم الأئمة عليهم السلام لخاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وأنت الذي ستقدِّم التجربة المدّخرة لحكم الإسلام على مستوى الأرض.
أنت الملجأُ والمفسِّر والهادي والدَّالّ على الطريق، وأنت البقيَّةُ الباقية حيّاً تنتظر الظهور لنشر الهدى. عن الإمام الباقر عليه السلام: “فإذا خرج أسندَ ظهره إلى الكعبة، واجتمع إليه ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً.
وأول ما ينطق به هذه الآية: ﴿بَقِيَّةُ الله خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾، ثم يقول: أنا بَقِيَّةُ الله في أرضه، وخليفتُه، وحجَّتُه عليكم، فلا يسَلِّم عليه مُسْلم إلَّا قال: السَّلامُ عَلَيْكَ يا بَقِيَّةَ الله فِي أَرْضِهِ”(7).
* اتّباع الأوصياء فطرة إنسانيّة
“السَّلامُ عَلَيْكَ يا مِيثاقِ الله الَّذِي أَخَذَهُ وَوَكَّدَهُ”. أخذَ الله تعالى الميثاق من البشر جميعاً، وذلك بفطرتهم التي زرعها في نفوسهم وهي تؤمن بالله تعالى، قال تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ﴾ (الأعراف: 172). ومن الميثاق اتِّباع الأنبياء والأوصياء انسجاماً مع الفطرة الإنسانية. فالإمام ميثاق الله تعالى الذي أخذه على الناس، وأكَّده ببعثة الأنبياء. والإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف هو وعد الله تعالى بالنصر، “السَّلامُ عَلَيْكَ يا وَعْدَ الله الَّذِي ضَمِنَهُ”، قال تعالى: ﴿بِنَصْرِ الله يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾ (الروم: 5).
* هو وعد الله الصادق
نختم هذه الفقرة بالتوصيف الواضح والظاهر على رؤوس الأشهاد، “السَّلامُ عَلَيْكَ أَيُّها العَلَمُ المَنْصُوبُ، وَالعِلْمُ المَصْبُوبُ، وَالغَوْثُ وَالرَّحْمَةُ الواسِعَةُ، وَعْداً غَيْرَ مَكْذُوبٍ”.
فالإمامُ هو العَلَمُ المَنْصُوبُ والمرتفع الذي يراه الجميع مرفرفاً على العالم، وهو العِلْمُ المَصْبُوبُ من وعاءٍ مليء فيه من الغزارة ما لا ينضب، وهو الغَوْثُ للعباد والملهوفين والمحتاجين إلى الإغاثة والعون، وهو الرَّحْمَةُ الواسِعَةُ الحامل للَّهداية والقيادة والقدوة وهما أوسع رحمة يحتاج إليها العباد، مضافاً إلى الشفاعة لأنصاره وجنده.
هذا هو وعد الله الصادق بالظهور وخيرات الظهور، قال تعالى: ﴿وَعْدَ الله لاَ يُخْلِفُ الله وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ (الروم: 6).
1- مفاتيح الجنان، الشيخ عباس القمي، ص689 – 691.
2- تفسير الميزان، العلامة الطباطبائي، ج17، ص158.
3- عيون أخبار الرضا عليه السلام، الشيخ الصدوق، ج1، ص214 .
4- مكيال المكارم، الميرزا الأصفهاني، ج1، ص90 .
5- لسان العرب، ابن منظور، ج1، ص404.
6- الفتن، المروزي، ص188.
7- كمال الدين وتمام النعمة، الشيخ الصدوق، ص331.