الإصغاء هو فطرة موجودة لدى الإنسان منذ الطفولة، فدماغ الطفل الرضيع معدّ لالتقاط أصوات البشر، وإتقانه لغة الكلام يعتمد على إصغائه إلى كلام الأُم، وقبل وقت طويل من تمكّنه من لفظ كلام مفهوم يكون الطفل الرضيع قادراً على التفاعل مع الأصوات وتعبيرات الوجه ولغة الجسد، وهنا بإمكان الأُم الإصغاء إلى طفلها وتشجيعه على تطوير لغته بطرق عديدة، منها:
تقبُّل بُكاء طفلها، على اعتبار أنّه أسلوب التواصُل الرئيسي، ثم تلبية احتياجاته بأسرع ما يُمكن بعد سماع صوت بكائه، فهذا يجعله يعرف أن مقصده قد فُهِم وعلى الأم كذلك تمضية بعض الوقت في الاهتمام بمُناغاة الطفل، والأصوات التي يصدرها، من خلال النظر في عينيه مباشرةً وتشجيعه عبر التحدث إليه، والابتسام في وجهه والتحدث بشكل دائم إلى الطفل عن أي شيء..
إن الطفل يتعرض لعدة صدمات، منها الإمساك بشيء حار جدا، أوالسقوط من مكان عال، أو رؤية حيوان ما لأول مرة، أو…إلخ لذا نذكّر هنا بمسألة مهمة جدا وهي أن الإصغاء ضروري جدا لمساعدة طفلك في التعافي بعد الصدمات، وإن لم يكن مصحوبا بطرح الحلول..
لاتتركي صدمة الطفل تمر دون اكتراث، بل أبدي اهتمامك عند شرحه للصدمة التي صادفته، وهنا نورد لكم مثال حقيقي عن موقف يمرمثله أو مايشابهه مع كثير منا:
هرع طفل بالغ من العمر ثماني سنوات الى غرفة الجلوس ورمى حقيبته، ثم قال لأمه صارخا:ماما، ماما.. لقد وقع ولد اليوم في ملعب المدرسة وفج رأسه!نظرت الأم إليه قائلة: ضع حقيبتك بمكانها..
فاتجه الطفل قرب أمه وقال: أمي إنك لا تفهمين لو رأيت منظر الدم.. لقد شعرت بالسوء فعلا! كان الدم يملأ المكان، وكان الولد يغرق في دمه، ثم أغمض عينيه وبقي ملقى هناك من دون حراك، ظننت أنه مات يا ماما!
تجاهلت الأم كل ذلك وبدأت تلومه على رمي حقيبته وعدم التزامه آداب الترتيب..
فصرخ عاليا:أمي إسمعيني من فضلك؟
استدارت الأم وخرجت لتلم الملابس من على حبل الغسيل.
وتلك الليلة استيقظ الطفل صارخا بسبب الكوابيس التي رآها.. بينما بقيت الأم مستلقية على السرير دون أن تحرك ساكنا، وطلبت من والده ألا يذهب إليه معللة؛ بأنه لا يقوم بشيء من واجباته وبأنه يبكي للفت الانتباه لا غير.
لم تكترث هذه الأم قاسية القلب لصدمة ابنها وتأثره الشديد بالموقف، لأن همها كان مقتصرا على أن ينفذ الإبن كلامها فحسب، لكن الموقف ليس مناسبا للإصرارعلى تنفيذ القواعد والأنظمة، بل إن إهمال الإصغاء للطفل في مثل هذا الحدث هوأمر خطير قد يسبب له عقدة نفسية ترافقه مدى عمره.
من أهم عناصر التربية هو التواصل المتبادل والإيجابي والمبني على الإصغاء الجيد فهو ضروري لبناء الثقة عند الطفل، والتعرف إلى أفكاره ومشاعره ووجهات نظره ورغباته.. فمن المعروف أنّ كلمات المديح والتشجيع، تجعل الطفل يشعر بالاعتزاز والثقة ولكن الإصغاء له يُعزز هذه الثقة ويُمكّنه من الشعور بأنّه محبوب وكفؤ، وجدير بالاحترام، فإذا كانت الأُم تتواصل مع طفلها بإيجابية ولاسيما في السنوات الأولى من عمره، فهذا يعني أنها درّبته وأعدّته جيداً للمستقبل.
ينبغي أيضا ألا يغيب عن بال كل أم أنها إذا أرادت أن يكون طفلها مستمعاً جيداً، فعليها الحرص على أن تكون القُدوة الجيدة بأن تعطي طفلها الوقت الكافي والإصغاء إليه باهتمام، فالأُم المشغولة تميل إلى عدم الإصغاء إلى طفلها أثناء حديثه معها، وبالتالي، لا تُولي ما يقول اهتماماً.. وقد يتفّهم الطفل موقفها هذا ويتقبّله أحياناً، ولكن لا يمكن أن يفهم تجاهلها المستمر، إلا أنّه رسالة تريد القول من خلالها، إن من غير المهم الإصغاء إليه، وإن ما يقوله ليس مهمّاً في نظرها.
من الجدير بالذكر ضرورة أخذ وقفات في الحديث مع الطّفل غير المصغي، نلفت فيها نظره إلى أهميّة أن يُصغي، يمكننا استعمال جمل مثل: “أنا أريدك أن تصغي لما أقوله، تعال ننظر في أعين بعضنا البعض”، قد تساعد جملة كهذه الطّفل على الابتعاد عن شرود الذهن أو مصادر الإلهاء الأخرى حوله، وذلك من خلال خلق تواصل بصري يساعده على التّركيز.. وهناك العديد من الألعاب التي تساهم في تعزيز قدرة الطفل على الإستماع والتركيز، كالألعاب التي تدعوه لمعرفة أصوات الحيوانات أو الأشياء المخفية الموضوعة داخل الصندوق مثلا
كذلك أن يعيد رواية القصة لها أو لوالده على سبيل المثال، وأن تقدّم له المكافأة لأنه أعاد إخبار القصة قدر الإمكان فكلما تعلم الطفل كلمات وعبارات جديدة ورسّخها في ذاكرته، يصبح قادراً أكثر على فهم الكلمات التي توجهها الأم له، وبالتالي قادراً أكثر على الإستماع لها ومبادلتها الحوار.
نقطة أخيرة وهي أن على الأبوين أن يتذكروا أهمية حرصهما على انتقاء جملهم عند حوارهم وجدالهم أمام أطفالهم، فقد يعتقد الوالدان أن الطفل عندما يكون مشغولا بألعابه ولهوه لا يمكن أن يكترث لكلامهما، لكنهما مخطئان، فهو قد يكون في ذروة انتباهه لحوارهما.