Search
Close this search box.

كثيراً ما يحثّ القرآن على التَّفَكُّر والتَّدَبُّر

كثيراً ما يحثّ القرآن على التَّفَكُّر والتَّدَبُّر

كثيراً ما يحثّ القرآن على التَّفَكُّر والتَّدَبُّر والمذاكرة وتبادل الآراء، فعلى سبيل المثال، يقول الله تعالى: قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَىٰ وَفُرَادَىٰ ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ ﴿46/ سبأ﴾.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: “لِقاحُ الْخَواطِرِ الْمُذاكَرَةُ.
تحمل هذه الجوهرة الكريمة في طيّاتها حكمة عميقة عن أهمية المذاكرة والنقاش وتبادل الأفكار في تنمية العقل والفكر، فبالاسترشاد بكلمة “لقاح” التي تأتي بمعنى التلقيح أو التخصيب، فإن المذاكرة هي الوسيلة التي تثمر فيها الأفكار وتنمو، كما يُلَقَّح الشجر ليعطي ثماره.


إنَّ الأفكار إذا لم يتداول بين الأشخاص فإنها قد تبقى محدودة أو غير مكتملة، وقد تضيع وتذهب سُدىً، في حين أن الآخرين بل المجتمع الإنساني برمته يكون محتاجاً إليها، ولقد قرأت يوماً أنَّ أستاذاً جامعياً سأل طلّابه عن أغنى وأثرى مكان في العالم، فاختلف الطلاب في الإجابة، منهم من قال: إنه شارع المصارف في نيويورك، ومنهم من قال: إنه حقول النفط في العالم، أو حيث توجد المعادن الثمينة، فأجابهم: إنها المقابر، هي أثرى مكان في العالم، فكم من أفكار رائعة تحتاجها البشرية دُفِنَت مع أصحابها. هذا من جهة.

أما من جهة أخرى، فقد تكون الأفكار والخواطر التي يحملها الشخص صحيحة ولكنه ليس على يقين من صحَّتها، أو تكون خاطئة ولكنه لا يدرك أنها خاطئة، وفي كلا الحالَين لا يمكنه أن يجزم بهذا أو ذاك من وجوه الخطأ والصواب إلا حين يناقشها مع الآخرين.

ومن جهة ثالثة، فإن مناقشة الخواطر والأفكار ومذاكرتها مع الآخرين يؤدي إلى تلاقحها مع أفكارئهم وآرائهم، مِمّا يؤدي إلى نضوجها وتطويرها، وقد نَبَّه الإمام أمير المؤمنين (ع) إلى هذه الحقيقة بوجيز من كلامه الشريف، فقد رُوِيَ عنه أنه قال: “إِمْخَضُوا الرَّأْيَ مَخْضَ السِّقاءِ يَتَوَلَّدُ مِنْهُ الصَّوابُ” وهذا يُبرز أهمية النقاش وتبادل المعرفة من أجل إغناء العقل وتنمية الوعي.

كثيراً ما يحث القرآن الكريم على التَّفَكُّر والتَّدَبُّر والمذاكرة وتبادل الآراء، فعلى سبيل المثال، يقول الله تعالى: قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَىٰ وَفُرَادَىٰ ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ ﴿46/ سبأ﴾ إن الآية الكريمة ترسم للناس منهجاً في البحث عن الحقيقة، وهو: أن يراجع الناس بعضهم بعضاً في البحث عنها، بعيداً عن الغوغائية والفوضى، يأخذون ويعطون ويتحاورون بهدوء وعمق، ويستشير بعضهم بعضاً، وكُلٌّ يستفيد من وجهة نظر الآخر، وكلٌّ يطلب الفوز بالحقيقة، من غير أن يستبدَّ أحد برأيه، فتشاورهم، وتعاونهم، ومذاكرتهم، لأجل حَلِّ المشكلات العلمية سيعطي حتماً الأثر الأفضل.

لقد أثبتت الدراسات النفسية أن المذاكرة الجماعية أو النقاشات الفكرية تعزِّز من نشاط الدماغ وتحَفِّز العقل على التفكير العميق، فعندما يتفاعل الأفراد مع أفكار مختلفة، تنشأ روابط عصبية جديدة تعزِّز من قدرة الدماغ على التفكير الإبداعي.

وفي العلوم التربوية، يَنصح الخبراء بتطبيق التعليم التعاوني والتفكير الجَماعي، حيث يُساعد الطلاب على تطوير أفكارهم والتَّعَلُّم من بعضهم البعض، فالمذاكرة والنقاش يُعتبران من الوسائل التعليمية التي تُنَمِّي القدرات العقلية والمهارات التحليلية، وهذا هو الأسلوب الأهم المعتمد في الحوزات العلمية كأداة مهمة للتعمُّق في المسائل المطروحة، وفهمها فهماً جيداً، والمُسَمَّى “مُباحَثة” وهي التي تدور بين طالِبَين أو أكثر، فالأفكار لا تتطوَّر إلا من خلال الاحتكاك بأفكار مضادة أو مختلفة.

إن هذا الأسلوب لا يجب اعتماده في طلب العِلم وحسب، بل يجب اعتماده في حياتنا اليومية، ليصبح جزءاً لا يتجزّأ منها، من خلال الحوار البَنّاء مع الأصدقاء وأفراد العائلة، ومن خلال تبادل الخُبرات والنصائح، إذ إن تبادل التجارب يُثري النفس ويزيد من نُضجها.

المُحصِّلة التي نخرج بها من قول الإمام أمير المؤمنين (ع): “لِقاحُ الْخَواطِرِ الْمُذاكَرَةُ” يمثل دعوة لتحفيز الفكر وتطويره من خلال المذاكرة وتبادل الآراء، هذه الحكمة توضح أن الأفكار مثل البذور التي تحتاج إلى تفاعل وخصوبة لتثمر، وهذا التفاعل يتحقق عبر الحوار البَنّاء والنقاش المُثمر، إن تطبيق هذه الفكرة في حياتنا اليومية والعلمية يمكن أن يُثمر نتائج إيجابية، حيث يعزز من قدرتنا على التفكير النقدي ويزيد من نُضج أفكارنا.

بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل