معرفة النفس طريق أكيد إلى معرفة الله تعالى

قريباً... عقد المؤتمر الدولي لعرض تفسير "تسنيم" في إیران

إن معرفة النفس بشكل حقيقي تُعد طريقاً مؤكداً لمعرفة الله تعالى. هذه حقيقة تؤكدها التجربة الإنسانية الطويلة، ويشهد لها العلم الذي يبرز أن الإنسان، من خلال التأمل في ذاته، يمكنه أن يصل إلى فهم ربه.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: “مَنْ عَرَفَ نَفْسَهُ عَرَفَ رَبَّهُ”.

معرفة النفس معرفة حقيقية طريق أكيد إلى معرفة الله تعالى، هذه حتمية تؤكدها التجربة الإنسانية الطويلة،
ويشهد لها العلم الذي يرى أن الإنسان من خلال التأمُّل في ذاته يمكنه أن يصل إلى معرفة ربه، وكلما تعمَّق الإنسان في نفسه وذاته ووقف على أسرارها وغوامضها، واكتشف ما فيها ما قابليات وقدرات وطاقات
وما رُكِّب فيها من غرائز شَتّى، وحاكميتها على الجسم وتصرُّفها فيه
وعرف أن كل ذلك لم يكن من ذاتها، لا من حيث أصل وجودها، ولا من حيث ما أُودِعَ فيها
، عرف أن لها خالقاً عليماً، حكيماً، مُريداً، مُدبِّراً، قادراً، يُتقن صَنعته، ويفيض عليها كل ما تحتاج إليه في سيرها التكاملي الوجودي، حتى تبلغ الغاية التي خلقها لها.

إن مقولة الإمام علي (ع): “مَنْ عَرَفَ نَفْسَهُ عَرَفَ رَبَّهُ”
تمثِّل أحد الأسس الجوهرية في الفلسفة الإسلامية والعِرفان الشيعي
حيث تفتح باباً واسعاً لمعرفة الله من خلال التأمل في الذات الإنسانية، ويتجلّى فيها الربط بين معرفة النفس والمعرفة الإلهية، مِمّا يضع الإنسان أمام مسؤولية البحث في نفسه للوصول إلى أسمى الغايات الروحية والمعنوية والوجودية وهي معرفة الله تعالى.

والمقصود من معرفة النفس، الإدراك العميق للنفس وما انطوت عليه، وليس مجرد العلم النظري

المعرفة هنا تتجاوز الإدراك السطحي لتصل إلى اليقين والوجدان، والنفس هنا لا تعني الجسد وحسب، بل تشير إلى جوهر الإنسان، وطبيعة الإنسان، روحه، جسده، مشاعره، أفكاره، ودوافعه، فعندما يعرف الإنسان نفسه، فإنه يدرك حدود قدراته، وعجزه، وحاجته إلى قوة أعلى منه، هذا الإدراك يقوده إلى التساؤل عن مصدر وجوده، وعن القوة التي أوجدته وسَيَّرت حياته، وهنا تبدأ رحلة البحث عن الله كمقدمة ضرورية لمعرفته.

إن هذه المعرفة تبدأ بمعرفة الخلق كطريق لمعرفة الخالق
تقابلها المعرفة التي تبدأ من معرفة الخالق لتنتهي بمعرفة المخلوق، حيث يعتقد الفلاسفة المسلمون، أن الإنسان عندما يدرك حقيقته الوجودية، فإنه يدرك ارتباطه بالمطلق، أي بالله، فالنفس الإنسانية تتضمّن إشارات إلى الخالق، وهذا ما تؤكده الفلسفة العرفانية الشيعية.

ولا يقتصر الأمر على الفلاسفة الإسلاميين

فإننا نجد بعض الفلاسفة الغربيين يرون أن البحث في الذات هو الطريق لفهم الوجود، وهذا يتفق تماماً مع قاله الإمام (ع) من أن معرفة النفس مدخل لمعرفة الوجود الأعظم، أي الله.
أما العلم الحديث، خاصة في مجالات علم النفس وعلم الأعصاب
يؤكد أن الإنسان لا يزال لغزاً كبيراً، على الرغم من التقدم الكبير في فهم الدماغ والجسد، إلا أن الروح والإرادة الحُرَّة لا تزالان موضوعاً للبحث والجدل، هذا الغموض الذي يكتنف الإنسان يقوده إلى التساؤل عن وجود قوة أعلى، وهي الفكرة التي تدعمها الحتمية المذكورة.

وتشير الأبحاث النفسية إلى أن معرفة الذات تقود إلى إدراك أعمق لحقيقة الإنسان وعلاقته بالكون، ويرى علم النفس التحليلي أن الوعي بالذات يفتح باباً لفهم المعاني الروحية، وهو ما يتوافق أيضا مع ما قاله الإمام أمير المؤمنين (ع).

وتشير دراسات التصوير الدماغي التي اطّلعتُ عليها إلى أن التأمُّل، والتأمُّل العميق يؤثران في مناطق الدماغ المسؤولة عن الإحساس بالوجود والارتباط بالكون، مما يؤكِّد ما جاء في كلام الإمام علِيٍ (ع).
أما القرآن الكريم، فإننا نجده يشير في أكثر من آية من آياته الكريمة إلى أهمية معرفة النفس كطريق لمعرفة الله، منها قوله تعالى:
“وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ﴿20﴾وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ” ﴿الذاريات:20﴾.

 وقوله تعالى: “سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ” ﴿فُصِّلَت: 53﴾.
إن ذلك يدعونا إلى الإكثار من التفكُّر والتأمُّل، والتعمُّق في العلوم الإنسانية، خاصّة علم النفس، والمواظبة على قراءة القرآن الذي تجلّى الله به لخلقه.

بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل