الشهوات نقيض الهمّة العالية

الشهوات نقيض الهمّة العالية

إذا كانت همّة المرء هي جناحيه اللذَيْن يطير بهما، فإنّ شهوته وخلوده إلى الشهوات والغرائز هي التي تضع المرء وتحطّ من قدره، فعن عليّ عليه السلام قال: “ما رفع امرأً كهمَّته ولا وضعه كشهوته”[1].

فالمؤمن الرساليّ لا سيّما العامل المتصدّي لإدارة الشأن العامّ ينبغي أن يصرف همته فيما بين يديه من أعمال وأن لا تكون ساحة العمل ساحة لشهوات التسلية وتمضية الوقت والزيارات العبثية واللهو والمشاركة في جلسات النيل من هذا وغيبة ذاك السخرية من آخر.

وعليه فعلوُّ الهمَّة سيف ذو حدّين، فكما يمكن استغلالها في الطاعة والعبادة وإتقان الأعمال فإنه يمكن استغلالها في المعصية والبعد عن الله، ولذلك اهتمّت النصوص الشريفة ببيان ما ينبغي طلبه بعلوّ الهمّة:

أ- التقرّب إلى الله: فعن الإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السلام): “واصرفوا همتكم بالتقرّب إلى الله”[2].

وفي دعاء للإمام علي السجّاد (عليه السلام): “فقد انقطعت إليك همتي. وفي دعاء آخر وهَبْ لي…….همةً متصلة بك”[3].

ب- بناء الآخرة: فعن الإمام محمد الباقر (عليه السلام): “ولتكن همّتك لما بعد الموت”[4].

ج- تزكية النفس وإصلاح الناس: فعن الإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السلام): “إن سمَتْ همتّك لإصلاح الناس فابدأ بنفسك، وإنّ تعاطيك إصلاح غيرك وأنت فاسد أكبر عيب”[5].

نعم فلا يمكن أن يكون المرء جزءاً من المشكلة ويقدّم نفسه على أنه جزءٌ من الحلّ، فالإنسان الفاسد لا يمكنه أن يكون جزءاً من إصلاح الناس، فالعالم الفاسد أو الحاكم الظالم أو الأستاذ الفاشل أو المربي السيِّئ أو أصحاب المقامات العليا في السلطة، فإنّ كلّ هؤلاء لا يمكن أن يرقوا بالمجتمع في معارج الكمال ما لم يصلحوا أنفسهم أوّلاً.

بناء الهمة العالية
والهمّة العالية ليست أمراً، بل يعمل المرء على اكتسابه وتحصيله عبر عوامل عديدة أهمها:

أ- أن يعي الإنسان الدور الذي أناطه الله به وأنه خليفة الله في أرضه، وأنّ التقصير في هذا الأمر هو خيانة للرسالة.

ب- تعويد النفس على الفضائل ومكارم الأخلاق من الشجاعة والإقدام والصبر والثبات والجدّ والاجتهاد والتواضع و….

ج- صحبة أولي الهمم العالية وعدم مجالسة الأفراد المتثاقلين ومثبطي العزائم، فقد ورد عن رسول الله محمّد (صلى الله عليه وآله) وسلم: “إنّ من الناس ناساً مفاتيح للخير مغاليق للشرّ”.[6]

ومن أهمّ الساحات التي ينبغي أن يتجلّى فيها علوّ الهمّة هي المشاركة الفعّالة في التغيير السياسي والاجتماعي من إعلاء الصوت والاستنكار الميداني ومواجهة الظلم ورفع الفساد بكافّة الوسائل المتاحة.

وعلوّ الهمّة يتطلّب من الإنسان السعي والمثابرة والجدّ والسهر وعدم الاستسلام للخطأ والإيمان القوي بما يقوم به، ولعلّ من أبرز الأمثلة والمصاديق اليوم ما استطاعت المقاومة أن تحقّقه من إنجازات وانتصارات بفضل ثبات مجاهديها وعلوّ همّتهم وإصرارهم على إلحاق الهزيمة بالعدوّ رغم كلّ التفاوت في العدّة والعتاد.

* وتزوّدوا في شهر الله – جمعية المعارف الإسلاميّة الثقافيّة


 [1] عيون الحكم والمواعظ، ص484.
[2] ميزان الحكمة، ج4، ص3469.
[3] الصحيفة السجادية (ابطحي)، الإمام زين العابدين عليه السلام، ص412.
[4] حاشية مجمع الفائدة والبرهان، الوحيد البهبهاني، ص24.
[5] ميزان الحكمة، ج3، ص2206.
[6] الخير والبركة في الكتاب والسنة، محمد الريشهري – ص 77

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل