إنّ العُجُب من الصفات القبيحة المَقيتة، والخِلال المنفّرة، الدّالة على ضِعة النفس، وضيق الأفق، وصفاقة الأخلاق، وقد نهت الشريعة عنه، وحذّرت منه.
ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: “مَنْ تَرَكَ الْعُجْبَ وَالتَّوانِيَ لَمْ يَنْزِلْ بِهِ مَكْرُوهٌ”.
معادلة تربط بين ترك العُجب والتواني لما لهما من آثار سلبية على سلوك المرء، وما يتسببان به من منعه من الارتقاء الأخلاقي، والنجاح في تحقيق أهدافه، وبين صيانة الإنسان وحفظه من أن ينزل به ما يكره من الأمور.
العُجُب: هو استعظام الإنسان نفسه، والافتخار بها، فيرى نفسه كما لا يراها الناس، ويطغى فكره بحُسنِ رأيه في نفسه، لاتّصافه بخِلّةٍ كريمة، ومزيّةٍ مشرّفة، كالعِلم والمال والجاه والعمَل الصالح.
والعُجُب من الصفات القبيحة المَقيتة، والخِلال المنفّرة، الدّالة على ضِعة النفس، وضيق الأفق، وصفاقة الأخلاق، وقد نهت الشريعة عنه، وحذّرت منه.
وقال الله تعالى: فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَىٰ ﴿النجم: 32﴾. النهي عن تزكية النفس هنا، ليس مرادا به الكَفُّ عن تزكية النفس، فالعمل على تزكيتها و تطهيرها مما يخالطها من ذنوب وآثام، هو أمر مطلوب دائماً من كل إنسان، بل المراد به النهي عن الاطمئنان إلى النفس والإعجاب بها، وعَدِّها مُزكّاة مُطهَّرة، لا تحتاج إلى تزكية وتطهير، والنظر إليها نظرة ترفعها إلى درجة الكمال، فهذا من خداع النفس الذي يُزَيِّن للمرء سوء عمله وُيريه من ذاته أنه بلغ درجة الكمال، وهذا هو العُجبُ بعينه، فإن النفس في حاجة دائمة إلى زكاة وتطهير، فيكون معنى قوله تعالى: “فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ” أي لا تحسبوا أنفسكم مزكاة مطهرة، ولا تمنحوها شهادة البراءة من العيوب والنقائص. الله وحده هو أعلم بمن تزكّى وتطهَّر، أما أنتم فلا تعلمون ما بلغت نفوسكم من تزكية وتطهير، فقد يرى أحدكم نفسه خالية من كل عيب، وهو مليء بالآثام، غارق فى المُنكرات، وقد يُخَيَّل لأحدكم أن أعماله مبرورة مقبولة، وهي مردودة عليه، فالذي يعلم حقيقة الإنسان، وما هو فيه من خير وشر، وما هو عليه من هدى وضلال، هو الله سبحانه وتعالى، كما يقول تعالى: …وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ… ﴿البقرة: 220﴾. فالواجب على الإنسان الذي يحترم ذاته ويحرص على سلامة نفسه من العيوب، ويحبُّ الكمال لها أن يكون متهما لها دائماً، ساعياً في تزكيتها وتنمية فضائلها.
وقال تعالى: أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا…﴿فاطر:8﴾ وهذا استفهام إنكاري يُراد به كشف صنف من الناس استبد بهم العُجْبُ، فيرون الخير كل الخير، والحق كل الحق فيما هم فيه، وهذا هو مفتاح الشَّرِّ كله، أن يُعجَبَ المرء بنفسه وعمله وبكل ما يصدر عنه، فلا يفتّش في نفسه ليرى ما فيها من صفات قبيحة، ولا يفتش في عمله ليرى ما فيه من خطأ أو نقص، لأنه واثق لا يخطئ، متأكِّد أنه دائماً على صواب، مفتون بكل ما يتعلق بذاته، وهذا هو الحجاب الذي يُعمي قلبه وبصيرته.
أما التَّواني: فهو يجمع المعاني التالية: الفتور، والتراخي، والإهمال، والتهاون، والكسل، والتسويف، والمماطلة، وبهذا يختلف عن التّأنِّي الذي هو الرفق والتَّروي للنظر في عواقب الأمور واكتمال الأسباب وسنوح الفُرصة.
ولا جدال في أن التواني يؤدّي إلى ضياع الفرص، مِمّا يستتبع الندم، كما يؤدي إلى الفشل في تحقيق الأهداف، مِمّا يؤدي إلى الذُّل، ويؤدي إلى عدم القدرة على مواجهة المصاعب وتخطي الأزمات.
إن ترك العُجب يصون الإنسان من الانقباض على ذاته والاعتداد الأجوف بنفسه، ويدعوه إلى النظر إليها دائماً بعين الناقد الذي يتعرَّف على أخطائها ويسارع إلى إصلاحها، مِمّا يجنِّبه كل أو معظم ما يكره.
كما أن ترك التواني يعزِّزُ عزم وإرادة الإنسان، ويجعل منه شخصاً مبادراً طموحاً مسارعاً إلى كل خير يراه، وقد جاء في الحديث عن الإمام أمير المؤمنين (ع): “ضَادّوا التَّواني بِالعَزْمِ”.
خلاصة القول: إن ترك العُجب والتواني يمَكِّن الإنسان من الارتقاء الدائم أخلاقياً، وعلمياً، واجتماعياً، ويحفظه من كل ما يكره، ويفتح له أبواب النجاح الدنيوي والأُخروي.