ما هي نظرة الإسلام إلى الفقر؟

ما هي نظرة الإسلام إلى الفقر؟

إنّ المتتبِّع للروايات التي تحدثت عن الفقر يرى أنها على طائفتين: منها ما مدح الفقر وأعلى شأنه ومنها ما ذمّه وحضّ من قيمته.

أمّا روايات مدح الفقر فأشارت بالمضمون إلى أنّ الفقر فخر رسول الله وزين عند الله يوم القيامة وهو مخزون عند الله بمنزلة الشهادة يؤتيه الله من يشاء والفقراء أصدقاء الله والفقر راحة وأنّ من أحب السلامة فليؤثر الفقر، وفي روايةٍ عن رسول الله محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) – لما سئل عن الفقر قال: “خزانة من خزائن الله”، قيل – ثانياً -: يا رسول الله ما الفقر؟ فقال: “كرامة من الله”، قيل – ثالثا -: ما الفقر؟ فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): “شيء لا يعطيه الله إلا نبيّاً مرسلاً أو مؤمناً كريماً على الله تعالى”[1].

وأمّا روايات ذم الفقر فاعتبرته الموت الأكبر وسواد الوجه في الدارين ومن قواصم الظهر وهو مذلة للنفس، مدهشة للعقل، جالب للهموم والقبر خير منه.

وعن الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) – لابنه الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) -: “لا تلم إنساناً يطلب قوته، فمن عدم قوته كثرت خطاياه، يا بني! الفقير حقير لا يُسمع كلامه، ولا يُعرف مقامه، لو كان الفقير صادقاً يسمونه كاذباً، ولو كان زاهداً يسمونه جاهلاً. يا بني! من ابتلي بالفقر فقد ابتلي بأربع خصال: بالضعف في يقينه، والنقصان في عقله، والرقة في دينه، وقلة الحياء في وجهه، فنعوذ بالله من الفقر”[2].

وفي مقام الجمع بين هاتين الطائفتين من الروايات قال العلماء: الفقرُ يستعمل على أربعة أوجه:
الأول: وجود الحاجة الضرورية، وذلك عامٌّ للإنسان ما دام في دار الدنيا بل عامٌّ للموجودات كلّها، وعلى هذا قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾[3]، وهذا الفقر بحسب وجود الإنسان وليس المشار إليه بالروايات.

والثاني: عدم المقتنيات، وهو المذكور في قوله: ﴿لِلْفُقَرَاء الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ﴾ – إلى قوله – ﴿يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ﴾[4]، ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ﴾[5]. وهذا النوع من الفقر ليس ممدوحاً أو مذموماً بالأصل بل بحسب تعامل المرء معه، فإنْ صَبَرَ كان ممدوحاً وإنْ لم يصبر كان مذموماً كما ورد عن النبي محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم): “يا معشر الفقراء! أعطوا الله الرضا من قلوبكم تظفروا بثواب فقركم وإلا فلا”[6].

الثالث: فقر النفس، وهو الشر المعني بقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): “كاد الفقر أن يكون كفرا”[7]، وهو المقابل بقوله: “الغنى غنى النفس”، والمعني بقولهم: “من عُدِمَ القناعة لم يفده المال غنى”. وهذا الفقر هو الفقر المذموم في النصوص.

الرابع: الفقر إلى الله المشار إليه بقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): “اللهمَّ أغنني بالافتقار إليك، ولا تفقرني بالاستغناء عنك”، وإياه قصد بقوله تعالى: ﴿رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ﴾[8]، وهو الفقر الممدوح في الروايات.

وفي الحقيقة أن الفقير هو مَنْ لم يقدِّم من ماله شيئاً يحتسبه عند الله، فإنّ الغنى والفقر بعد العرض على الله فلا فقر بعد الجنة، ولا غنى بعد النار.

في مقام العلاج
إنّ عدم الاهتمام والتجاهل عن تنامي بعض المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والتربوية والتي أخذت بالتوسع والانتشار مستهدفاً آثارها السلبية المجتمع بشكل عام والشباب على وجه الخصوص سوف يؤدي إلى استفحال وتعقد هذه المشاكل بحيث يصعب بعد ذلك السيطرة عليها ومعالجتها. ولننظر إلى المنحرفين من الأسر الفقيرة ومحدودة الدخل وهم يشكلون نسبة كبيرة من الشباب، فإذا استمر هذا الوضع على ما هو عليه فإنه سوف يدفع كثيراً منهم إلى اتباع طرق غير سوية في الحياة تضر بهم وبالمجتمع.

1- البعد الديني لأزمة الفقر: لا شكّ أنه وكما أشارت الروايات إلى ضرورة حسن التدبير والاقتصاد وعدم التشبه بإنفاق أصحاب الأموال، وما ورد من أنّ البر وصدقة السر وصلة الرحم وثقافة الاحتساب عند الله ومقاومة الشهوات تسهِّل الفقر وتنفيه، فعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد سأله الفقراء: هل لنا أجر إذ نرى الفواكه في السوق فنشتهيها وليس معنا، نشتري به؟ قال: وهل الأجر إلا في ذلك[9]؟

إلا أن ذلك يبقى على المستوى الفردي، وأما على المستوى العامّ فنشير إلى عدة أمور معروفة لكن على سبيل التذكير.

2- تحمل الأغنياء لمسؤولياتهم: فقد أوجب الله للفقراء حقاً في أموال الأغنياء، بل وابتلاهم بالمال ليرى إن كانوا سيؤدون حق الفقراء أو سيكون مالهم وبالاً عليهم يوم القيامة، فقد روي: ما أحسن تواضع الأغنياء للفقراء طلباً لما عند الله، وأحسن منه تيه الفقراء على الأغنياء اتكالا على الله.

3- تحمل المسؤولين لمسؤولياتهم: من خلال خفض نسبة البطالة بين الشباب وتوفير فرص العمل بما يتلاءم والشهادات التي يحملونها واتخاذ بعض التدابير التي تخفف عنهم أعباء الإنفاق وتوفير بعض المستلزمات الضرورية لهم من قبيل الضمانات الصحية والتربوية إلى غير ذلك، فقد روي عن الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام): “بؤسى لمن خصمه عند الله الفقراء والمساكين والسائلون والمدفوعون والغارمون وابن السبيل”.[10]

ورُوي عن الإمام علي زين العابدين (عليه السلام): “اتخذوا عند الفقراء أيادي، فإن لهم دولة يوم القيامة”[11].

4- إنشاء المؤسَّسات الشبابية: التي تسهّل أمور التعليم والتدريب المهني والفني وسحب القروض وتنمية الكفاءات واكتشاف المواهب وإيجاد البرامج البديلة من البرامج التي تساهم في انحرافهم وسلوكهم سبل التيه والابتعاد عن الله.

* زاد البصيرة في شهر الله – سلسلة زاد المبلغ- جمعية المعارف الإسلاميّة الثقافيّة


[1] ميزان الحكمة، ج3، ص2443.
[2] ميزان الحكمة، ج3، ص2441.
[3] القرآن الكريم، سورة فاطر، الآية: 15.
[4] القرآن الكريم،سورة البقرة، الآية: 273.
[5] القرآن الكريم،سورة التوبة، الآية: 60.
[6] المحجة البيضاء، ج7، ص330.
[7] ميزان الحكمة، ج3، ص2441.
[8] القرآن الكريم، سورة القصص، الآية: 24.
[9] كنز العمال: 16657.
[10] ميزان الحكمة، ج3، ص2451.
[10]
[11] ميزان الحكمة، ج3، ص2445.

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل