مَنْ جارَ في سُلْطانِه عُدَّ من عَوادي زَمانِه

مَنْ جارَ في سُلْطانِه عُدَّ من عَوادي زَمانِه

إنّ الظلم هو سبب الدمار والاندثار، والله يأخذ الظالمين بغتة، يأخذهم وهم يحسبون أنهم أقوياء، ويأخذهم وهم يحسبون أن لا قوة قادرة على مواجهتهم.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: “مَنْ جارَ في سُلْطانِه عُدَّ من عَوادي زَمانِه”.
إذا أساء الحاكم استعمال سلطته وجارَ بها ظُلماً وطغياناً، صار من نوائب الزمان ومصائبه، هذه هي المعادلة التي ينبهنا إليها الإمام أمير المؤمنين (ع).

في هذه المعادلة يحذر الإمام (ع) الحُكَّام من الجور والظلم، ويبيّن أن الظالم يصبح من نوائب الزمان ونكباته، لأن الجور يقود إلى فقدان الشرعية وحلول نِقَم الله ونِقَم الناس عليه، ويعمِّق الصراعات، ويؤدّي إلى زوال الملك وخراب البلدان العمران.

الجور: ضدّ العدل، وهو الظلم والإسراف في الإضرار بالآخرين والتجاوز عليهم وتجريدهم من حقوقهم.
وإذا كان العدل هو الأساس الأهم للمُلك فإن الجور هو السبب الأهم لزواله، ألا ترى قارئي الكريم أن مُلك الله تعالى -وهو المالك والمَلِك الحقيقي-  قائم على العدل؟! فكل ما في هذا الكون شاهد على عدله تعالى، حيث أعطى كل موجود حجمه، وموضعه، ودوره، من دون زيادة ولا نقصان، وأفاض عليه كل ما يحتاج إليه في سيره التكاملي، وفي جريانه نحو غايته، ولقد قال رسول الله (ص): “بِالعَدْلِ قَامَتْ السّماواتُ والأَرْضُ”.

ودعانا نحن البشر إلى إقامة العدل والقسط، وجعلهما مطلباً فطرياً لنا، نسعى إلى تحقيقهما مدى حياتنا، ولو كلَّفنا ذلك أن نبذل المُهَجَ في سبيلهما، فما يثور الناس على الظالمين والجائرين إلا طلباً للعدل والإنصاف، وما تحدث التوترات والصراعات والحروب والأزمات إلا بغيابهما وتفشّي الظلم والجَور والتَّعدِّي.

ولقد كشف لنا الله في كتابه المجيد عن أن دمار الأمم وموتها واضمحلالها سببه الظلم والجور، ولا سبب غيرهما، قال تعالى: … فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ﴿البقرة: 59﴾ 

وقال تعالى: فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴿الأنعام: 45﴾

وقال تعالى: وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ ﴿يونس: 13﴾

وقال تعالى: وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ ﴿هود: 67﴾.

وقال تعالى: وَتِلْكَ الْقُرَىٰ أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا ﴿الكهف: 59﴾.

وقال تعالى: فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴿النمل: 52﴾.
وإذاً، فالظلم هو سبب الدمار والاندثار، والله يأخذ الظالمين بغتة، يأخذهم وهم يحسبون أنهم أقوياء، ويأخذهم وهم يحسبون أن لا قوة قادرة على مواجهتهم، وأن لا قوة تقهرهم، فيأتيهم عذاب الله من حيث لا يحتسبون، فإذا هم حائرون منقطعو الرجاء في النجاة، عاجزون عن التفكير في أي اتجاه، وإذا هم مُهلَكون جميعاً حتى آخر واحد منهم.
لقد أخذ الله الأقوام الظالمة الجائرة أخذ عزيز مقتدر، أخذها واستأصلها كما لو أنها لم تكن موجودة، لم يُبقِ منها شيئاً، إلا أن تكون ذكرى وعِبرة وموعظة لمن كان له قلب يتعظ ويفكر، أخذهم الله جميعاً بهذه‏ السُّنَّة، سُنّة التدمير بسبب الظلم والجور، وسُنَّة التدمير بعد ازدهار حضارتهم.
ولقد كان لكل تلك الأمم حضارات، وكان مُمَكَّناً لها في الأرض، تتقلَّب فيها، وتذهب وتجيء من غير خوف من عدو، وكان لها من الرخاء ورغَد العيش، والقوة والاقتدار ما لا يقل عما تتمتَّع به اليوم أمم مستغرقة في السلطان والرخاء والقوة والقدرة، مخدوعة بما هي فيه، خادعة لغيرها مِمَّن لا يعرفون سُنَّة الله في الشدة والرخاء.
إن في كل زمان نوائب ومصائب ومحن، لا يخلو منها، قد تستقيم الأحوال حيناً ولكنها لا تبقى على ما هي عليه حتى يُصاب الناس بنائبة أو نكبة أو مصيبة تحل في دارهم، وإن من مصائب الزمان ونوائبه الظالم الجائر، فهذا يستولد المصائب، ويخلق الأزمات، ويحيل حياة المجتمع إلى ضنك وضيق.

بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات الدينية السيد بلال وهبي

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل