حافظ الإمام السجاد (ع) في عصر الاضطهاد الأموي على الهوية الشيعية الأصيلة، وأعدّ المجتمع للصحوات المستقبلية بالاعتماد على الأدعية، التربية الأخلاقية وإعادة بناء الشبكات الفكرية.
يُمكن اعتبار عصر الإمام السجاد (عليه السلام) من منظور علم الاجتماع، فترة إعادة بناء “الهوية الجماعية” لمجتمع عانى من انهيار روحي، اختناق ثقافي وجمود اجتماعي عقب حادثة عاشوراء وحكم الظلم والقمع. وخلال هذه الفترة، كان المجتمع الإسلامي في أزمة، ليس سياسيًا فحسب، بل أيضًا من حيث التماسك الاجتماعي والقيم الأساسية.
أطلق الإمام السجاد (عليه السلام) في مثل هذه الظروف، بدلًا من النهضة المباشرة، مشروعًا عميقًا لـ”التثاقف” و”إعادة تعريف المعنويات“. وأن الأدعية العميقة والمفاهيمية في “الصحيفة السجادية” هي في الواقع “مدرسة تربية اجتماعية” لأنها توقظ بشكل غير مباشر الضمير العام وتعيد بناء منظومة القيم الإسلامية الأصيلة في مواجهة الثقافة المادية السائدة. ومن منظور علم اجتماع الديني، ليست هذه الأدعية مجرد أدعية فردية، بل هي أيضًا “بيانات هوية” لمجتمع يحتاج إلى العودة إلى الوعي الذاتي.
من جهة أخرى، يُمكن اعتبار رسالة الإمام السجاد (عليه السلام) في الحقوق بمثابة “بيان أخلاقي اجتماعي“. ففي ظلّ هدم الحكام العدالة بتحريفهم الدين، أرسى الإمام زين العابدين (ع) أسس إعادة بناء الأخلاق العامة من خلال تقديم إطار للعلاقات الإنسانية القائمة على العدالة، الاحترام والمسؤولية. ويمكن اعتبار هذه الجهود شبيهة بالحركات الاجتماعية الناعمة التي تُعيد بناء “الشبكات الفكرية والثقافية” بدلًا من المواجهة المباشرة.
كما عزز الإمام السجاد (عليه السلام) هوية شيعية مميزة من خلال “إدارة التقية بذكاء” والابتعاد عن التيارات المشوهة، وهو أمرٌ أساسيٌّ للصمود في وجه موجة القمع.
وفي الواقع، أنقذ الإمام زين العابدين (ع) بتحويله قافلة السبايا إلى “قافلة رسائل” ومواصلته فضح الحكام، المجتمع من الوقوع تمامًا في هاوية الصمت والخضوع.
ومن منظور علم الاجتماع التاريخي، يُعتبر الإمام السجاد (عليه السلام) “مهندس إعادة البناء الناعمة” لمجتمعٍ استُنزف رصيده الاجتماعي بالدماء في عاشوراء.
إذن شكّل الإمام السجاد (ع) نهضة صامتة عميقة مهدت الطريق للصحوات الفكرية في عهد الإمامين الباقر والصادق (عليهما السلام) عبر إحياء القيم الروحية، تعزيز الهوية الجماعية، وتنظيم المنظمات الشيعية سرا.