يمرّ اليوم نحو 90 يوماً على بدء العدوان المفروض من قبل الكيان الصهيوني على إيران. وهو عدوانٌ مركّب، كانت إحدى صفحاته الأساسية الحرب الإعلامية التي شنّها الكيان الصهيوني وأمريكا ضد إيران في الرأي العام العالمي.
لكن التلاحم الداخلي غير المسبوق، والمظاهرات والدعم الواسع من شعوب العالم لصالح إيران وضد جرائم الكيان، شكّلت دليلاً واضحاً على هزيمة الكيان الصهيوني في هذه الصفحة من الحرب. وقد تكبّد هذا الكيان أيضاً هزيمة أكبر على صعيد الرأي العام العالمي خلال العامين الماضيين، وكان ذلك في قضية غزة.
اليوم، يُعتبر هذا الكيان أكثر الأنظمة بُغضاً لدى الرأي العام العالمي، وقد تجاوزت موجة الكراهية له حدود الأمة الإسلامية التي تُقدّر بمليارات البشر، لتعمّ الشرق والغرب على حد سواء. وهذه التجربة تُعدّ درساً مهماً: تجربة الوحدة حول هدف مشترك، وهي الوحدة ضد كيان مغتصب ومرتكب للإبادة الجماعية.
لكن – وللأسف الشديد – فإن هذا الإجماع وهذا “الصوت الواحد” الذي نشهده اليوم بين الشعوب الإسلامية وسائر الشعوب الحرة في العالم ضد الكيان الصهيوني، لا نجد له ترجمة عملية في سلوك الحكومات الإسلامية!. فما زالت العلاقات الاقتصادية والسياسية لهذه الدول مع هذا الكيان السرطاني قائمة، ويمكن القول إن “شريان الحياة” لهذا الكيان لا يزال متصلاً.
ويبدو أن أحد المحاور الأساسية في دبلوماسية الجمهورية الإسلامية يجب أن يكون كالتالي: أن نحُثّ الحكومات ونؤكّد عليها أن تقطع علاقاتها مع هذا الكيان، أولاً على مستوى العلاقات التجارية، ثم على مستوى العلاقات السياسية. يجب أن تكون هذه المسألة بنداً حاسماً وفورياً في جدول أعمال دبلوماسيتنا.
ومن أهم الركائز لتحقيق هذا الهدف – أي قطع شريان الحياة عن الكيان – هو تعزيز المطالبة الشعبية للضغط على حكوماتهم، ومن أنجع الوسائل في هذا السياق تقوية الدبلوماسية العامة.
فالدبلوماسية العامة بطبيعتها ترتكز على الشعوب، وعلى عكس الدبلوماسية الرسمية التي تُدار عبر الحكومات والوزارات والهيئات السياسية، فإن الدبلوماسية العامة تمر عبر وسائل الإعلام، والجامعات، والمنظمات الشعبية، بل وحتى عبر العلماء والمفكرين. وهذه الدبلوماسية، وإن كانت غير رسمية، إلا أنها تلعب دوراً حاسماً في ميدان الاتصال والتأثير، لأن الرأي العام في نهاية المطاف هو ما يؤثر على قرارات الحكومات.
وتكمن براعة الدبلوماسية العامة في أمرين أساسيين: تقوية القواسم المشتركة، وتقليص نقاط الخلاف. ونحن في العالم الإسلامي نمتلك الكثير من المشتركات: كتاب واحد، قبلة واحدة، نبيّ واحد، وعلى الصعيد السياسي، فإن النضال ضد الكيان الصهيوني والدفاع عن أولى القبلتين يُعدّ أهم هذه المشتركات. وعلينا أن نعزز هذه القواسم المشتركة.
في المقابل، ورغم أن الخلافات الموجودة محدودة، إلا أن أعداء الإسلام يسعون دوماً لتضخيمها. وفي هذا السياق، أكد قائد الثورة الإسلامية في إيران عام 2012، في مرسوم تعيين الأمين العام لـ “مجمع التقريب بين المذاهب الإسلامية”، على فكرة يمكن اعتبارها محوراً أساسياً للدبلوماسية العامة في العالم الإسلامي، وهي: “دبلوماسية الوحدة الإسلامية“.
هذا التعبير يحمل معاني عميقة، ويجب التعامل معه كإستراتيجية كبرى بكل جدية. فرسالة “دبلوماسية الوحدة الإسلامية” هي تهميش الخلافات والتركيز على المشتركات بين المسلمين.
وتتجلّى أهمية هذه المسألة عندما نلاحظ أن من أهم استراتيجيات الكيان الصهيوني – سواء خلال الحرب التي استمرت 12 يوماً، أو خلال العامين الماضيين، أو حتى في تجاربه السابقة في إيران ولبنان وفلسطين وغيرها من المناطق المحورية – هي تعزيز الانقسام والعداوة بين المسلمين. فاستثمار الكيان الكبير في زرع الفُرقة بين الشعوب الإسلامية يدلّ بوضوح على أن الوحدة والتضامن يُعدّان “قوة ناعمة” في العالم الإسلامي، وهي الكابوس الحقيقي للكيان عند مواجهته للرأي العام الإسلامي وللشعوب الحرة في العالم.
وهنا تأتي الدبلوماسية العامة كأداة لتعزيز هذا الاتحاد والتقارب بين الشعوب والحكومات الإسلامية في مواجهة كيان الاحتلال الإسرائيلي قاتل الأطفال.
ترجمة مركز الإسلام الأصيل