تنشر العلاقات العامة في المؤتمر الدولي الرابع، التجديد والاجتهاد الفكري عند الإمام الخامنئي (جدليّة الأسلمة والعلمنة) تقريراً يسلّط الضوء على أبرز مجريات المؤتمر، الذي يتناول محور التربية والتعليم.
وقد ألقى المحاضرون من مختلف الدول في هذا المؤتمر كلمات استعرضت مختلف جوانب التربية والتعليم في العالم الإسلامي وإشكاليّاتها وبعض الحلول والاقتراحات من أجل التوصّل إلى أنظمة تربويّة إسلاميّة في البلدان الإسلاميّة.
افتتح معهد المعارف الحكمية المؤتمر الرابع للتجديد والاجتهاد الفكري عند الإمام الخامنئي (دام ظله) بعنوان: “التربية والتعليم/جدلية الأسلمة والعلمنة”، وذلك عبر الفضاء الافتراضي. البداية كانت مع آيات من القرآن الكريم. تلاها كلمة الجهة المنظمة ألقاها الدكتور أحمد ماجد قال فيها: “إنه ونظرًا للظروف الراهنة التي تمرّ على العالم، والتي تستوجب التباعد الاجتماعيّ، نتقرب منكم من خلال هذا المؤتمر، الذي كنا نتمنى إقامته بحضوركم الكريم، فاليوم تنطلق الدورة الرابعة لمؤتمر التجديد والاجتهاد عند الإمام الخامنئي تحت عنوان التربية والتعليم/ جدلية الأسلمة والعلمنة، وبهذه المناسبة نتوجه بالشكر للشركاء في هذا العمل “مكتب حفظ ونشر آثار الإمام الخامنئي دام ظله، تلفزيون المنار، تلفزيون الصراط، المؤسسة الإسلامية للتربية والتعليم، مركز الدراسات والأبحاث التربوية، مركز مسارات في تونس”.
ثم لفت الدكتور ماجد إلى أن هذا المؤتمر سيُعالج مفردتين حملتا مثاقيل كبيرة من دلالات الثقافة، والبناء الحضاري، والنواظم المؤسساتية؛ المجتمعية والحكومية، بل إنهما تعبيران منغمسان في أقسى جدلية شهدها التاريخ هي سرديات الدين والعلمنة المتمحورة حول “الإنسان”.
وأضاف الدكتور ماجد، إذا كانت بعض المؤسّسات البحثية والحركات الإسلامية قد ساهمت مساهمات جدّية في إغناء إشكاليات التربية والتعليم. فإن نجاح الثورة الإسلامية بإقامة دولة إسلامية في إيران بقيادة عالم، فقيه، عارف هو الإمام الخميني (قده)، شكّلت منعطفًا ثوريًّا عميقًا في مواجهة إشكالية الاصطراع الديني- العلماني على صعيد التربية والتعليم. وهو الذي بلغ مرحلة متقدّمة مع توجيهات وتنظيرات الإمام الخامنئي دام ظله، الذي أشرف وصادق على وثيقة التحول التربوي المبتنية على الركائز والاستهدافات الإسلامية.
وختم الدكتور أحمد ماجد كلمته بالقول: إن التربية والتعليم شكّلا الساحة الأولى للمعركة، ولهما أهمية وجودية على مستوى أصل الهوية الإسلامية أو هوية الثورة الإسلامية، إن من حيث الانطلاق أو من حيث الاستمرار. ومرجع هذه الأهمية إنما يعود لعميق الدور الذي تشكله التربية والتعليم في بناء الإنسان وكمالاته.
بعد ذلك كانت محاضرة للأستاذ الدكتور إياد الأرناؤوطي من العراق بعنوان: “خصائص النظام التربوي في الإسلام قراءة في فكر الإمام القائد السيد الخامنئي (مدّ ظلّه)”، تحدث فيها عن أن الله تعالى خلق الإنسان الأول، وحباه وأبناءه بالكرامة، وأفاض عليه سبحانه من علمه، ليكون خليفة له في أرضه، وشرّفه بعلم لم يطلع عليه ملائكته، فحقّ له أن يكون مسجودًا له، وبين أحسن تقويم، وأسفل سافلين، تفاوتت المراتب، وتعددت الدرجات العلى، والدركات السفلى؛ فقد اقتضت الطبيعة البشرية، والعيش على هذا الكوكب، الاختلاف بين الناس.
وفي معرض حديثه عن الفرق بين التربية والتعليم اعتبر الدكتور أرناؤوطي أن مفردة (التعليم)، بحكم قواعد اللغة، تعني: نقل معلومة من معلِّم إلى متعلّم. وليس كل تعليم تربية، فقد لا يؤدي التعليم دوره الإيجابي في الهداية والتربية، لخلل في الإنسان المتعلّم. لافتًا إلى أنه قد لا تكون للمتعلم غاية مشروعة في الرؤية الإسلامية أيضًا، وقد يقود التعلم إلى ضرر المتعلِّم، كما في تعلّم السحر.
وفي ما يتعلق بأدوات النظام التربوي رأى الدكتور أرناؤوطي أن كل نظام تربوي يتألف من 4 عناصر: مربي، ومربّى، ومنهج تربوي، وبيئة تربوية. والمربي في النظام التربوي الإسلامي هو الله تعالى، إما مباشرة من خلال إفاضته سبحانه على المربّى، وإما من خلال وسائط وأسباب.
وأضاف الدكتور أرناؤوطي أن النظام التربوي في الإسلام يرتكز على: وجود إله واحد، لطيف بعباده. ثنائية التركيب الإنساني من روح غير مادية، وجسم مادي؛ واقترانهما في هذه النشأة، يستلزم مراعاة حاجاتهما معًا. والنشأة الدنيوية الفانية التي يحياها الإنسان، هي دار التربية والتكامل، وهي الممر نحو الحياة الأبدية.
ثم عدد الدكتور أرناؤوطي خصائص منهج التربية الإسلامية، وهي:
1. العالمية.
2. الثبات.
3. الامتداد الزماني من الدنيا لما بعدها.
4. الشمولية.
5. العملية.
6. تراتبه.
وعن خصائص غايات النظام التربوي في الإسلام، استشهد الدكتور أرناؤوطي بالحديث القدسي: “كنت كنزًا مخفيًا، فأحببت أن أُعرَف، فخلقت الخلق”، فمعرفة الله تعالى هي غاية الخلق النهائية. وللوصول إلى هذه الغاية، تضمن النظام التربوي في الإسلام غايات بينية، كل منها تعدّ غاية لما قبلها، وتمهيدًا لما بعدها، من ذلك: العبادة، التزكية، التطهير، والحياة الطيبة.
واعتبر الدكتور أرناؤوطي أن اللافت للنظر في النظام التربوي الإسلامي، هو انصهار الغايات الوسطى، وتفاعلها فيما بينها، توصلًا للغاية النهائية لهذا النظام، التي هي الغاية النهائية للخلق.
وختم الدكتور إياد أرناؤوطي محاضرته بالقول: إن موضوع خصائص النظام التربوي في الإسلام، يستلزم دراسة عميقة، واسعة، شاملة، توازن بينه وبين النظم التربوية الأخرى، لا يتسع هذا البحث لمعشارها، وإنما سعينا للوقوف على أبرز معالم الموضوع لا أكثر.
ثم كانت محاضرة للدكتور أحمد ماجد من لبنان بعنوان: “المسار التاريخي للتربية والتعليم في العالمين الإسلامي والعربي” تطرق فيها إلى الحديث عن البعثات والمؤسسات التبشيرية التي كانت الركيزة الأولى لقيام نموذج جديد للتربية والتعليم، وأدت إلى جملة من النتائج، هي:
1. ترسيخ نمط المدارس الغربية في العالم الإسلاميّ.
2. إضعاف ثقة المتعلمين بالمسلّمات الدينية الإسلامية.
3. إدخال المفاهيم الغربية إلى العالم الإسلاميّ.
4. إضعاف الولاء والثقة بالمجتمعات التي ينتمي إليها الطلاب، وربط المتعلم بثقافات الدول المستعمرة.
وقد ترافقت هذه المؤسسات مع البعثات التعليمية ومشروع تحديث الدولة.
وأشار الدكتور ماجد أن محمد علي باشا أصدر أوامره بإرسال البعثات الطلابية في المجالات العلمية، العسكرية منها والمدنية، إلى أوروبا. وقد كان لهذه البعثات دور كبير في حركة الترجمة ونقل الكثير من العلوم والمعارف الأوروبية إلى الطلبة في المدارس والى المثقفين؛ إذ أثّرت في تطور الحركة الثقافية في مجتمع ولايات المشرق العربي، ونقلوا التجربة الغربية إلى العالم الإسلامي، وبذلوا جهدًا للتقريب بين الحضارتين الإسلامية الغربية، وفي هذا المورد أشار الطهطاوي إلى الحديث القائل “الحكمة ضالة المؤمن يطلبها ولو في أهل الشرك”.
تابع الدكتور ماجد، وهكذا بدأ يظهر تيار يقوم على التلفيق بين الحضارة الغربية والإسلامية، وأخذ ينظر إلى المنجز الحضاري القريب باعتباره المثال الذي لا بدّ من الأخذ به وجعله ملائمًا للمجتمعات الإسلامية، لذلك اعتمد مبدأ التقريب عبر الحديث عن المشترك بين الحضارتين، فهو لم يتنبّه إلى أنّ الحضارة الغربية قد بنيت على أساس التحوّل في نظرة الإنسان للعالم، بالتالي لا يمكن أخذ أي عنصر من العناصر دون إجراء تحوّلات جذرية على مستوى الرؤية. فقام بالفصل بين العلم وحركة الفكر، وهو ما أدى إلى ثنائية تعيشها المجتمعات العربية – الإسلامية، وهو ما تنبه إليه جمال الدين الأفغاني ودعا إلى ضرورة انبثاق النهوض الحضاري من ذاتية الأمة، ورفض التلفيق في الأخذ، وعمل على تأصيل رؤية إسلامية، تنطلق من التراث الإسلامي، وإن كانت لا تنظر إلى المنجز الغربي بطريقة عدوانية، إلا أنّها دعت إلى تبيئة هذه النظرة وإخضاعها للرؤية الإسلامية.
ثم لفت الدكتور ماجد إلى أنه وعلى هذا الأساس يلاحظ أنّه حتى نهاية القرن التاسع، جرت تحوّلات كبيرة على مستوى التربية والتعليم، وهي وإن استقرت على شكل المدرسة الغربية، ولكنّها اختلفت في المرجعيات التي تحكمها، وفي هذا المجال يمكن أن نرصد ثلاث تيارات أساسية:
الأول تلفيقي يعمل على الدمج بين الرؤية الغربية على مستوى العلوم مع الرؤية الإسلامية، ولكنّه حاول أن يقرب بين المعاني الإسلامية والغربية (طهطاوي، خير الدين التونسي).
الثاني: نهضوي يدعو إلى اجتهاد إسلامي في التربية والتعليم، وهو لا يقطع مع الغرب، ولكنّه يدعو إلى تأصيله وأخذ الإنساني العام وتسويغه بالتراث الإسلامي(جمال الدين الأفغاني، محمد عبده).
الثالث تيار علماني ظهر في نهاية القرن التاسع ودعا إلى إدماج التربية بالنظام التربوي الغربي.
وتابع الدكتور ماجد أن هذا الأمر استمر حتى نهاية الحرب العالمية الثانية ونشوء الدولة الوطنية، حيث ساد التيار العلماني واللاديني، فارتفعت العديد من الأصوات التي تنادي بضرورة إدماج البرامج التربوية العربية والإسلامية بالمنظومة التربوية الغربية. ومن أهم هذه الدعوات ما جاء في مقالات سلامة موسى، حيث بلغت جرأته حدًّا تجعله يذهب إلى الهجوم الشديد على كل ما يتصل بالدين. وهو ما أكده طه حسين عند حديثه عن اشتراك العقل المصري والعقل الغربي في التأسيسات، وقد ازدادت قوة هذا التيار، واستمرت حتى عام 1939 حين أخذت تظهر معالم تيار ديني يدعو إلى إعادة النظر في التربية واستلهام الإسلام في بناء المناهج، ولكن هذا التيار بقي ضعيفًا مع بروز التيارات العلمانية والقومية.
وأشار الدكتور ماحد أنه في نهاية الستينات من القرن الماضي أخذت التيارات الإسلامية، تتقدم وظهرت بعض التنظيرات التي دعت إلى أسلمة العلوم، انطلاقًا من رؤية أنّ الحضارة الغربية لها سياقها الخاص، وهذه التجربة لا يمكن أن تكون صالحة لجميع المجتمعات الإسلامية، وصدرت أعمال سيد حسين نصر والسيد محمد نقيب العطاس واسماعيل الفاروقي، وقد وصلت هذه النزعة إلى ذروتها مع انتصار الثورة الإسلامية حيث أخذت مجموعة من المثقفين تدعو إلى أسلمة العلوم في ما عُرف بإسلامية المعرفة.
تابع الدكتور ماجد، أن هذا التيار على الرغم من تنظيراته الفكرية إلا أنّه على المستوى الفكري بقي مشدودًا إلى التجربة الغربية وما قدم في كثير من الأحيان لا يتعدى كونه عملية تقريب، حيث عمل على جعل المنجز في العلوم الإنسانية هي الأصل الذي تبنى على أرضيته الأسلمة، وقد تداخلت السياسة مع العلم في هذا المجال، خاصة أنّ هذا التيار ظهر في وقت الاجتياح السوفياتي لأفغانستان وانتصار الثورة في إيران.
وختم الدكتور ماجد محاضرته بالقول: إن الأسلمة في التربية أخذت تشغل مساحة واسعة من النقاش في العالم الإسلامي، وهي كانت محوراً لعدد كبير من المؤتمرات وخلاصة ما توصلت له تلك المؤتمرات والندوات واللقاءات وغيرها في أنحاء مختلفة من العالم الإسلامي تتمثل في الدعوة لتشكيل لجان مؤهلة من ذوي الكفاءات لإعادة بحث ودراسة مختلف العلوم الإنسانية، ونقدها ومعالجتها في ضوء التصور الإسلامي، مع العناية بالمصطلحات العلمية من حيث اختيارها، ودعوة الجامعات عمومًا إلى الاهتمام بمختلف المؤلفات والمناهج الدراسية في هذا الشأن، واستشعار علماء المسلمين لخطورة الغزو الذي يستهدف النيل من هوية الأمة الإسلامية وإلغاء خصوصيتها، وأن الحاجة ملحة لاستنباط مجموعة جديدة من العلوم الإنسانية التي تتفق مناهجها مع الإسلام لتحل محل العلوم الإنسانية الغربية التي تدرس في جامعات البلاد الإسلامية، وهو ما ناشدت به تلك المؤتمرات كافة حكومات العالم الإسلامي في ضرورة تنفيذ توصياتها، ودعم وتشجيع البحوث والدراسات في هذا الميدان، مع نشرها وتوزيعها في أنحاء العالم.
وفي ختام اليوم الأول من المؤتمر كانت محاضرة للدكتور علي أبو الخير من مصر بعنوان: “المنهج التربوي|التعليمي في فكر الإمام الخامنئي/ هوية مستقلة ومقاومة مستمرة”، تطرق فيها إلى أن موضوع الهوية المستقلة والمنهج الإسلامي المقاوم في فكر الإمام علي الخامنئي إنما يرتبط بالدور التربوي|التعليمي، الذي تنتهجه الجمهورية الإسلامية في إيران، منذ نجاح الثورة الإسلامية عام 1979، بقيادة الإمام روح الله الخميني، فلا يمكن الاعتماد على هوية مستقلة تقوم على دعائم دينية ووطنية، إلا في ظل منهج تربوي تعليمي يقوم على نفس الأسس الثورية الرسالية، كما لا يمكن مقاومة قوى الأعداء إلا بالاعتماد على الأسس التربوية والتعليمية، قبل القدرات السياسية والعسكرية.
واعتبر الدكتور أبو الخير، أن التربية والتزكية من أهم الأهداف للرسالات الإلهية قاطبة؛ لأنها تتعالى بالإنسان إلى مراتب الكمال النهائي، الذي أراده الله سبحانه للإنسان، ولهذا نجد أن القرآن الكريم حينما تحدث عن هدف بعثة النبي الخاتم محمد (ص) أعطى للتزكية والتربية المكانة الأولى، ومن ثمّ أردف بالتعليم.
ولفت الدكتور أبو الخير إلى أن المصلحون قد بذلوا على مر التاريخ جهودًا مضنية لتوضيح منهج تربوي يستندون إليه في انطلاقاتهم نحو تربية الإنسان والمجتمع على أسس سليمة وصالحة، وفي بيئتنا الإسلامية كان النبي(ص) وأهل بيته القدوة الصالحة والمربين الذين أناروا الطريق للمسلمين بكلماتهم وسلوكهم العملي الذي يعتمد على الأسس والمفاهيم والقيم الإسلامية السمحاء.
وفي ما يتعلق بالأسس التربوية للهوية الإسلامية المستقلة اعتبر الدكتور أبو الخير أنه لا توجد هوية مستقلة إلا على أسس تربوية تعلّم البشر والناشئين، ولا يمكن أبدًا إيجاد هوية مستقلة بدون خصائص متعددة، فواحدة من الأصول التربوية المهمة في المنهج التربوي عند أمير المؤمنين (ع) هو ذكر الله تعالى في كل وقت وحال، ويعتبر هذا الذكر أساساً لجميع الآثار التربوية والمعنوية والأخلاقية والاجتماعية..
ولفت الدكتور أبو الخير أن الإمام علي الخامنئي سار سعى ويسعى لتجذير الهوية المستقلة المقاومة، ولقد طبقها على أرض الواقع، ونلاحظ ذلك في كل خطبه، ودعمه المستمر لكل الحكومات وللدولة، يقول الإمام الخامنئي في اجتماع له مع المعلمين: “أنتم الذين تمثلون مجتمع المعلمين في البلاد، وذلك لأنه مجتمعٌ قد تولّى مهمة شاقة بدخلٍ ماديٍّ ضئيل، إذ إنّ المعلم يحمل على كاهله أعباء تربية الشباب والناشئين، وهو ليس بالعمل البسيط، بل هو أمر صعب، ينطوي على مسؤولية ثقيلة…”.
وأشار الدكتور أبو الخير إلى أن الإمام الخامنئي يحدد أسس الهوية المستقلة فيقول : “إن أولّ ما يجب علينا أخذه لتلاميذنا بعين الاعتبار، هو إيجاد هوية مستقلة وطنية ودينية في نفوسهم. فالهوية المستقلة، هو أولّ ما يجب علينا أن نربيه وننمّيه في نفوس شبابنا وفتياننا وفتياتنا”.
ورأى الدكتور أبو الخير أن الهوية في مفهوم الإمام الخامنئي هي من الفطرة السليمة والروح المقاومة للضعف.
وعن أهمية دور الأجهزة الإعلامية وغيرها في دعم القطاع التربوي، اعتبر الدكتور أبو الخير أن الإمام الخامنئي إذا كان حدد كلامه في الكثير من خطبه للمعلمين، فليس تهويناً من شأن المجالات الأخرى، فالمعلم أولًا، ولكن معه باقي القطاعات، وأهمها الإعلام بكافة صوره.
ويرى الدكتور أبو الخير أن أهم أركان الهوية هي العقيدة، وأن مظاهر أزمة الهوية يمكن رؤيتها في الشباب الذي يتهافت على تقليد الغربيين في مظهرهم ومخبرهم وفي الجاسوس والعميل الذي يخون أمته ويبيع وطنه ودينه.
وأضاف الدكتور أبو الخير أن استرداد الهوية يكون بتدعيم الإعلام الرسمي بكافة أشكاله ليؤدي دوره في إحياء حركة تجديد الدين والعودة إلى منابع الإسلام الصافية متمثلة في منهاج النبوة.
وختم الدكتور علي أبو الخير محاضرته بالقول: يمكن تحديد أفق النهضة الإسلامية المقاومة من خلال النهج المقاوم للجمهورية الإسلامية الإيرانية، وتحديدًا من وعي قادتها، ونرى ضرورة سعي مفكري الأمة في نشر ثقافة الوعي بالمقاومة، ونشر وعي المقاومة بالنظام التربوي لتغيير ثقافة الأجيال إلى الفخر بتراثها الروحي الإسلامي، وهذا الفخر يقود بالتالي إلى هوية مستقلة تتصدى للتغريب، ليس من أجل القطيعة مع الآخرين الأوروبيين وغير الأوروبيين، ولكن من أجل التواصل بعزة، ونشر علمنا لديهم بالحكمة والموعظة الحسنة.
بداية الكلمات في اليوم الثاني من أعمال المؤتمر الرابع للتجديد والاجتهاد الفكري عند الإمام الخامنئي (دام ظله). “التربية والتعليم/ جدلية الأسلمة والعلمنة”، كانت مع الأستاذ الدكتور محمد نور الدين من لبنان بعنوان: “التعليم في تركيا بين النزعتين العلمانية والدينية -إطار تاريخي-“، تحدث فيها حول أن التعليم في تركيا ومنذ إعلان الجمهورية عام 1923 يقع بين حدي المؤثرات العلمانية، فتداخلت المؤثرات العلمانية بالدينية والمجتمعية والسياسية التي ما برحت تتصارع حينًا، وتتصالح وفق تفاهمات ومصالح حيناً آخر.
وأشار الدكتور نور الدين إلى أن الإجراءات المتخذة في نطاق التعليم كانت تتخذ الطابع العلماني من دون أن تكون العلمنة قد أدرجت بعد في الدستور.
وفي ما يتعلق بالأقليات في تركيا لفت الدكتور نور الدين أن معاهدة لوزان اعترفت بهذه الأقليات وفقًا لانتمائها الديني فقط وليس المذهبي أو الإثني عشري، فاعترفت بالحقوق الدينية لليهود، والأرمن واليونانيين، وبحق التعلم بلغاتهم، وإقامة مدارسهم فضلًا عن حرية ممارسة الشعائر الدينية.
واعتبر الدكتور نور الدين أنه ومن أولى الإشارات في اتجاه تخفيف الطابع الديني للدولة تعميم وزارة التربية الوطنية في 7 كانون الثاني 1924؛ أي بعد شهرين وأسبوع فقط من إعلان الجمهورية، بإزالة كل العلامات الدينية في المدارس.
وأضاف الدكتور نور الدين أنه في يوم إلغاء الخلافة كان البرلمان يقر قانونًا في غاية الأهمية هو قانون توحيد التدريس. وقد وحّد القانون كل المدارس والمؤسسات التعليمية وجعلها تابعة لوزارة التربية ومجانية،كما ألغى موقع مشيخة الإسلام.
كما لفت الدكتور نور الدين إلى أنه وفي الإطار التعليمي والديني وبهدف تنشئة خطباء وأئمة جوامع “متنورين”، وبهدف ملء الفراغ المتعلق بالتعليم الديني فقد تقرر إنشاء كلية للإلهيات أي العلوم الدينية في جامعة اسطنبول.كما تقرر فتح مدارس خاصة بذلك أطلق عليها اسم “إمام – خطيب”. مشيرًا إلى أنه ومع وصول الحزب الديموقراطي إلى السلطة قبل ذلك بعام، صدر قرار بإنشاء معاهد إمام – خطيب من مرحلتين المتوسطة(4 سنوات) والثانوية (3 سنوات).
واعتبر الدكتور نور الدين أن تأسيس رئاسة الشؤون الدينية (ديانت) في العام 1924 خطوة أثارت لاحقًا عدم ارتياح العلويين خصوصًا أنه لم تتأسس داخلها مديرية خاصة بالشؤون العلوية.
وأضاف الدكتور نور الدين، أنه في سياق التحولات التي كانت جارية انعقد المؤتمر السابع لحزب الشعب الجمهوري في عام 1947 وقرر تعديل توجهاته من أجل علمانية أكثر مرونة. وكانت الخطوة الأهم هو قرار الحزب في 10 شباط 1948 بإدراج التعليم الديني في المدارس تحت إشراف الدولة. فكانت مادة التعليم الديني في المدارس الابتدائية كدرس اختياري وإعادة تأسيس كلية إلهيات.
وأشار الدكتور نور الدين إلى أنه ومن خلال بعض الإجراءات التي لجأ إليها الحزب الديموقراطي بعد فوزه في الانتخابات ظهر أنه كان ينسجم مع مشاعر الغالبية التي انتخبته وكانت متضررة من سياسات حزب الشعب الجمهوري. معتبرًا أن أولى إجراءات الحكومة كانت إعادة رفع الأذان باللغة العربية وهو الذي كان أصبح بالتركية منذ العام 1932. أيضًا من الإجراءات المشابهة التي تعكس انفتاحًا من الحزب الديموقراطي على الفئات الإسلامية رفع الحظر عن بث البرامج الدينية في الإذاعة.
ولفت الدكتور نور الدين إلى أن دخول التعليم الديني في المدارس كان منعطفًا بالغ الأهمية في العام 1982 وذلك بعدما أدخل ضمن الدستور الذي فرضه الانقلاب العسكري لعام 1980 وطرحه على استفتاء شعبي في العام 1982. بالتالي أدخل في الدستور الجديد مادة تنص على إلزامية تعليم درس “الثقافة الدينية والأخلاقية” في المدارس الابتدائية والمتوسطة، بعدما كان سابقًا ذلك مرتبطًا برغبة الأهالي.
أما بخصوص ارتداء الحجاب فقد رأى الدكتور نور الدين أن هذه المسألة دخلت في التجاذب الحاصل بين العلمانيين والاسلاميين وتحولت إلى مادة أثارت توترات وحساسيات شديدة لأكثر من عقدين.
وفي ما يتعلق بالتعليم الديني لطائفة العلويين، اعتبر الدكتور نور الدين أنه من مفارقات النظام العلماني في تركيا أنه يفرض تعليمًا دينيًّا في المدارس تبعًا للمذهب الحنفي السني حتى في المدارس ذات الغالبية العلوية، أو العلوية الصافية، فيأتي عادة مدرّس تربية دينية سنّي تقرره رئاسة الشؤون الدينية ليعطي الطلاب مادة الدين في مدارس القرى العلوية، ومن ثم يغادر القرية، مما أثار استياء العلويين.
ولفت الدكتور نور الدين إلى أنه قد بلغت ذروة التضييق على الإسلاميين من قبل العلمانيين والعسكر في “انقلاب” 28 شباط 1997 عندما فرض مجلس الأمن القومي على حكومة نجم الدين أربكان توصيات- قرارات تحدّ من انتشار التعليم الديني في تركيا.
واعتبر الدكتور نور الدين أن وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة عام 2002 ، بلا شك، كان بداية لمتغيرات مهمة في كل الأصعدة ومنها القطاع التعليمي في إطار العمل على تغيير طبيعة الدولة العلمانية لتكون أكثر إسلامية.
ورأى الدكتور نور الدين أن الصراع بين النزعتين العلمانية والدينية قد شهد في حقل التعليم مسارات متذبذبة صعودًا أو هبوطًا ربطًا بتطورات المشهد السياسي، ومصالح الأحزاب السياسية في السلطة والمعارضة.
وأشار الدكتور نور الدين أن التيار العلماني كان يدرك عمق تغلغل الثقافة الإسلامية في المجتمع التركي، لذلك حاول أن يحافظ على البعد الديني من خلال إنشاء مؤسسات تعليمية مستقلة عن المؤسسات العلمانية على أن تكون تحت رقابة الدولة وتوجيهها.
ولفت الدكتور نور الدين إلى عدم تردد الأحزاب العلمانية ولا سيما تلك المتشددة مثل حزب الشعب الجمهوري أن تكون هي المبادرة إلى الانفتاح تعليميًّا على النزعة الإسلامية من أجل كسب الناخب ذي النزعة الدينية.
وختم الدكتور محمد نور الدين محاضرته بالقول: رغم كل محاولات تغيير الطابع العلماني للتعليم في تركيا في عهد حزب العدالة والتنمية، ورغم التغيير الحاصل والملموس في التوجهات الجديدة في التعليم في اتجاه أن يكون منفتحًا على النزعة الدينية، فلا تزال العلمانية أساس الفلسفة التعليمية في تركيا وفقا للدستور والقوانين والمناهج. مع محاولات لجعله أقل علمانية وأكثر انفتاحًا على النزعة الدينية، كلما سنحت ظروف أو مستجدات أو تطورات.
بعد ذلك كانت محاضرة للدكتور عادل عبد الستار الجنابي من العراق بعنوان: “التربية والتعليم في الإسلام/دراسة في القواعد والمقاصد الشرعية”. تطرّق فيها الى الحديث عن أن الاسلام جعل من عملية التربية والتعليم رسالة مقدّسة ذات رؤية كلية للإنسان والكون والحياة، رؤية تنبع من العقيدة في ضوء المقاصد الشرعية. وتعمل على تعزيز الانتماء الديني، وإحياء الفكر والثقافة الاسلامية، مع كون التعليم السلاح الأكثر فاعلية في مواجهة قوى الاستكبار والظلم والجور والفساد.
ولفت الدكتور الجنابي إلى أن الآيات القرآنية الكريمة قد تحدثت عن ظواهر كونية تدعو الإنسان إلى التفكر والتدبر والتأمل، وتوجيه العملية التعليمية، لتنطلق من عقيدة الأمة ومقاصدها الشرعية، وتوافق المواد التعليمية مع الروح العقدية المقاصدية للدين الإسلامي، التي تسمو بالإنسان، وتعلو به في مجالات الحياة المختلفة.
وعن أهمية موقع التربية والتعليم في الاسلام، اعتبر الدكتور الجنابي أن الإسلام أولى قضية التربية والتعليم مكانة بالغة بالنظر لكونهما الوعاء المركزي الذي يحتوي النظم والمفاهيم الاسلامية، ولما كان التعليم أساس النهضة في أي أمة أو حضارة كان لا بد فيه من وضوح الرؤية الكلية للإنسان والكون والحياة، لافتًا إلى أن مهمة التربية والتعليم تمثل محور حركة الأنبياء(عليهم السلام) والمصلحين في التاريخ الإنساني لما لهما من دور في صنع الإنسان، وبناء شخصيته، وبناء المجتمع بشكل عام.
وأشار الدكتور الجنابي أن المجتمع الإنساني قد شهد طروحات وأفكار عديدة في مجال التربية والتعليم وغاياتها، فإلى جانب الخبرات التربوية والتعليمية، كان للتوجه الفلسفي ـ التربوي والثقافة التربوية الدور الكبير في تحديد تلك الأفكار والغايات.
ورأى الدكتور الجنابي أن التربية والتعليم مع كل ما لها من الأهمية في العالم المعاصر، ومن منظور إسلامي بشكل خاص، إلا أنها تواجه أزمة كبيرة على مستوى الممارسة تتمثل في غياب فلسفة تربوية إسلامية واضحة المعالم والأسس.
واعتبر الدكتور الجنابي أن تحديد الغايات التربوية ـ التعليمية المعتمدة على المقاصد والمبادئ التربوية يشكّل مدخلًا أساسيًّا لممارسة العمل التعليمي والتربوي في المجتمع الاسلامي.
وفي ما يتعلق بمقاصد الشرع في التربية والتعليم، يرى الدكتور الجنابي أن هذه المقاصد تهدف إلى الوصول لروح وجوهر التوجيه والتعليم الديني.
ولفت الدكتور الجنابي إلى أن مقاصد التعليم ومقاصد الشريعة تتداخل في حفظ الدين؛ لأن الدين مبني على معرفة الأحكام، ومعرفة الأحكام مبناها على العلم، وحفظ العقل؛ لأن العقل مدار التكليف في الشريعة الإسلامية، وما بين العقل والعلم والدين نورد بعض المقاصد الشرعية ذات البعد التربوي والتعليمي المباشر وغير المباشر التي جادت بها نصوص القرآن الكريم، وهي: مقصد العبودية، ومقصد تهذيب وتزكية الفرد والمجتمع، ومقصد التكريم، ومقصد الخلافة، ومقصد عمارة الأرض وهو من غايات الشريعة الإسلامية، ومقصد الوسطية.
واعتبر الدكتور الجنابي أن المنهج في المفهوم الإسلامي هو عبارة عن مجموعة خبرات ومعارف ومهارات والتي تقدّمها مؤسسة تربوية إسلامية إلى المتعلمين فيها، كما يرتكز على مجموعة من الأسس والمبادئ والتي من أبرزها هو تزويد المتعلم بالحقائق الثابتة، والخبرات والمعارف والمهارات والمفاهيم المتغيرة التي توصل الإنسان إلى تقوى الله ومحبته. أيضًا ينبثق من التصور الإسلامي للكون وللإنسان وللحياة، ويشتق أساسًا من مصادر التربية الإسلامية في القرآن الكريم والسنة المطهرة وسيرة الأئمة (ع).
وأضاف الدكتور الجنابي أنه إذا لم نضبط مقصد العملية التعليمية في بلادنا الإسلامية ضبطًا شرعيًّا من حيث المنهج وأداؤه، ومن حيث الأهداف والغايات، ومن حيث الوسائل والطرق تفرقت بنا المقاصد، ووجدنا أنفسنا نسير وفق مقاصد الآخرين.
واعتبر الدكتور الجنابي أن التعليم اليوم يعدّ من أهم الركائز التي تقوم عليها الأمم والحضارات، والمجتمعات الإسلامية اليوم بأمس الحاجة إلى برنامج ومنهج تعليمي إسلامي شامل من الشريعة الإسلامية ومقاصدها.
ثم لفت الدكتور الجنابي إلى أن مراعاة المقاصد الشرعية في مختلف جوانب المنظومة التعليمية، ودمج المقاصد الشرعية في المناهج التعليمية قد أصبحت ضرورة ملحة.
واعتبر الدكتور الجنابي أن النظام التربوي الإسلامي هو جهاز يعنى بشؤون التربية والتعليم الذي تقوم به مؤسسات تربوية تبدأ من المدرسة الابتدائية، وتمتد إلى التعليم العالي، وهو ينطلق في فلسفته وأهدافه من الدين الإسلامي الحنيف.
ورأى الدكتور الجنابي أن المناهج التعليمية في العالم الإسلامي تواجه في هذا العصر العديد من التحديات في مختلف المجالات منها: العولمة، والتقدم التكنولوجي والمعرفي، وثورة الاتصالات، وتحرير التجارة، وهذه التحديات تتناول كافة شؤون الحياة.
وختم الدكتور عادل عبد الستار الجنابي محاضرته بالقول: إن دور المنهج الدراسي الإسلامي في مواجهة التحديات يتحدد من خلال إبراز دور التربية الإسلامية في التصدي لهذه التحديات التي تفرضها العولمة وفق معيار الإسلام، وأن بناء المناهج على أساس المقاصد الشرعية يمكن أن يؤهل المنظومة التربوية لتواجه تلك التحديات.
وختام أعمال المؤتمر لليوم الثاني كان مع الأستاذة الدكتورة دلال عباس وذلك بمحاضرة تحت عنوان: “التربيّة والتعليم في ضوء نصوص القرآن والحديث”. تناولت فيها الحديث حول عمليّة التربية والتعليم في الإسلام بأنها عمليّة مستمرّة من المهدِ إلى اللحد، وهذه العمليّة تبدأ قبل الولادة وبعدها وفي مختلف مراحل العمر، وتقع على عاتق الأهل والمعلمين والعلماء والمصلحين أنفسَهم وغيرَهم.
ولفتت الدكتورة عباس إلى ورود لفظتَي التربية والتعليم معًا كأنّهما مصطلحٌ واحدٌ. أمّا تقديم مصطلح التربية على مصطلح التعليم، فعلى الرّغم من أنّ التربية لا تتحصّل إلّا من خلال عمليّة التعليم، تبقى عمليّةُ التعليم قاصرةً ما لم تتحقّق من ورائها عمليّةُ التربيةِ، فالتربيةُ هي الهدفُ النهائيُّ للتعليم.
وعن العلاقة بين التربية والتعليم تقول الدكتورة عباس: في التعليم يؤخذ في الحسبان بعدٌ واحدٌ هو البعدُ المعرفيّ والعلميّ، ولكنَّ التربيةَ شاملةٌ ومتعدّدة الجوانب، ولها بعدٌ أخلاقيٌّ وسلوكيّ، والتعليم يقوم به عادًة معلّم في مكان معيّن مثل المدرسة وقاعات التدريس، ولكنّ التربية تتحقّق عندما تتجلّى التعاليم في سلوك الفرد.
كما لفتت الدكتورة عباس إلى أن التربية والتعليم مترابطان مفهوميًّا ترابطَ العلَّةِ والمعلول. فالتربية لا يمكن أنْ تتحقّق من دون التعليم، والتعليم لا يمكن أن يكتمل من دون التربية. بالتالي، التربية والتعليم عمليّة واحدة لا عمليّتين منفصلتين، والتربية عمليًّا مقدَّمةٌ على التعليم قدْرًا وأهميّةً، وهي الهدفُ الأساسيُّ من التعليم.
أما ما هي العوامل والعناصر المؤثّرة في التربية، فقد أشارت الدكتورة عباس إلى أن العلم الحديث قد أكّد على أهميّةِ العامل الوراثي مقابل عوامل البيئة والتعلّم والتربية والوالديّة والنموّ، كما أن هنالك كلامًا كثيرًا على تأثير البيئة البيتيّة انطلاقًا من ترتيب المواليد، والموقع في الأسرة، ومستوى التعليم ونوعيّته، والقيم التي يحملها المعلّمون، وثقافة المجتمع، والأحداث الاجتماعيّة الواسعة النطاق والعميقة التأثير، كالحروب والركود الاقتصادي، والخلفية العِرقيّة، وأخيرًا الحِقبة الزمنيّة التي يتربى فيها الفرد.
وتشير الدكتورة عباس إلى أن التربية والتعليم والتعلّم عمليّة مستمرّة من المهدِ إلى اللحد وتأكيدًا على ذلك وعلى أنّ عمليّة التربية عمليّةٌ مستمرّة وغير مرتبطة بعمرٍ معيّن قولُ أمير المؤمنين (ع) الذي سبق به كلّ النظريات التربويّة الحديثة: “يُربّى الصبيُّ سبعًا، ويؤدّبُ سبعًا، ويُستخدم سبعًا ومنتهى طولِهِ في ثلاثٍ وعشرين سنةً وعقلِهِ في خمسٍ وثلاثين سنة، وما كان بعد ذلك فبالتجارِب”.
واعتبرت الدكتورة عباس أنّ التربية يجب أن تركّز على تنمية الجسم والروح والعقل، وأيّ تقصيرٍ أو إخلالٍ في تهذيب أحد هذه الأبعاد الثلاثة، سيخلُّ حتمًا بتوازن شخصيّة الإنسان.
وفي ما يتعلق بمراعاة الفروق الفرديّة، رأت الدكتورة عباس أن وصايا الأئمة قد راعت أمرًا مهمًّا في عمليّة التربية والتعليم هو ما يسمّيه علماء النفس التربويّون اليوم “مراعاة الفوارق الفرديّة وقدرات المتربّين واستعداداتهم”.
وأضافت الدكتورة عباس أنّ مردّ تفرّد شخصية الإنسان يعود إلى عوامل عديدة: جسديّة ونفسيّة وعقليّة، فلا ينبغي أن تكون أمور تعليمهم وتربيتهم في مستوىً واحد، وسرعةٍ واحدة، ومقدار واحد، ولدى معلّم واحد، هذا ما تنبّه له المربّون في القرن العشرين في الغرب، لكنْ في بلداننا لا الأهل متنبّهون إلى هذا الأمر ولا المدارس.
ولفتت الدكتورة عباس أن الله تعالى قد خيَّر عباده بين قبول الهدايةِ أو الإعراض عنها، وعلى المربّين أيضًا، أنْ يؤدّوا ضمن عمليّة تعليم الأطفال والفتيانِ وتربيتهم دورَ من يمهّدُ الطريقَ للسالكين فيه، لا من يُجبر الناس على سلوكه، ومن يرشدهم بما لا بدّ منه من البيان والمساعدة، لتكون المسؤوليّة تاليًا على المتربّين أنفسهم ليختاروا الطريق الصحيح.
وأشارت الدكتورة عباس إلى أن هنالك طريقتان للتربية والهداية جرّبها المربّون؛ الأهل والمعلمون، هما: التربية المباشرة، والتربية غير المباشرة؛ أمّا نظام التربية الإسلاميّة كما وردت في القرآن الكريم وفي أحاديث المعصومين فهي أسلوب التربية غير المباشرة لأغلب المتعلّمين، وذلك بتوجيه الخطاب إلى غير المخاطب الأصلي.
واعتبرت الدكتورة عباس أن القرآن الكريم، تربويًّا، سبق علماء النفس وعلماء التربية الغربيين في تأكيده على أهميّة التعليم من خلال التمثيل والقصص؛ وفي تجربتنا في تعليم الأطفال من خلال القصص، وجدنا أنّ القصّة توصلُ ما نريد إلى الأطفال بشكلٍ مؤثّر ومسلٍّ، ومن خلال القصص يمكننا أنْ نوصل إلى الصغار والكبار الإرث الثقافيّ بأكمله على شكل حكاياتٍ تهب الحياةَ معناها الأمثل.
وفي ختام المحاضرة، قالت الدكتورة دلال عباس: إنّ الهدف النهائيّ للتربية هو خلق مواطنين صالحين وأشخاصًا أسوياء، ولأجل ذلك يجب اعتماد كلّ طريقةٍ أو وسيلةٍ تجعل الطفل إنسانًا قادرًا على التمييز بين الخير والشرِّ؛ وذلك بأن لا نلجأ إلى عقابه على أعمال لا يعرف نتائجها، أو أن ندخله مدرسةُ أو حضانةً تكون سجنًا له، يعامل فيها كالراشد، يُقمع ويُعاقب فيتحوّل في ما بعد إلى إنسانٍ ضعيفٍ مسلوب الإرادة، يعيش خوفًا دائمًا من عقاب الأبوين، أو من عقاب المعلّمين، أو من عقاب الله عزّ وجلّ كما يفعل بعض معلميّ التربية الدينيّة، أو يتحوّل إلى إنسانٍ متمرّدٍ متحدٍّ للقيم. بالتالي، إنّ الطفل المحبوبَ غيرَ المعنّف لا يكذب، وإن نحن ربّينا طفلاً لا يكذب، نكون قد صنعنا رجلاً أو امرأةً مثاليّين، لأنّ الكذب هو أساس كلّ رذيلة.