كتب سماحة الشيخ اسد محمد قصير بمناسبة ذكرى شهادة الامام الرضا عليه السلام المؤسس لحوار الحضارات والأديان وتعليقا على الأحداث في فرنسا
نحن دعاة حوار الحضارات واحترام الأديان وتكريم الإنسان
ما أجمل المنطق القرآني الذي يدعو المسلم إلى احترام كرامة ومشاعر أخيه في الإنسانية، وينهاه عن الاستهزاء والسخرية من أخيه في الانسانية ( لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ)
وحثه على الحوار مع الآخر، وأن يخاطبه بالحسنى من دون تعدٍ ( وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً ولا تسبّوا) وأن يحاوره بالتي هي أحسن، والكلمة الطيبة والموعظة الحسنة، وأن يتعامل معه بالبر والقسط ( أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ)،وحرّم عليه التعدي على مقدسات الآخرين المختلفين معه في المعتقد ( وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ)،وأمر بالحوار والكلمة السواء كمنطق للتفاهم والتعارف بين الشعوب والحضارات (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا..)
وما أجمل أخلاق محمّد صلّى اللّه عليه وآله الذي كان يقابل استهزاء بعض اليهود في المدينة المنورة ( لياً بالسنتهم وطعناً); بالحسنى والبر، وقبيح فعالهم بجميل الصبر والنظر الرحيم.
وما أقبح المنطق الغربي الذي يرى أنّ الاستهزاء بالآخر والسخرية من مقدساته حرية والانتقاص من الآخر بخطابٍ يستفز كرامته ومشاعره من حرية الرأي،فيخلط-عن عمد أو غير عمدٍ- بين الحرية والتعدي علی الآخرين، وبث روح العداء وتهديد السلم المجتمعي.
إنّ الدين الاسلامي يميز بين الحرية والعدوانية، فمن حق أي شخص أن تنتقد أفكار وآراء الآخرين مراعياً الآداب العامة والضوابط المعرفية، ولكن ليس من حقه الاستهزاء والاساءة إلی الآخرين ومعتقداتهم، بالقول أو الفعل، فإن الآخر له كرامة وحرمة، لا يحق التعدي عليها وتخطيها تحت أي ذريعة ومبرر قال تعالی:( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ)
إن الرسوم المسيئة بحقّ النبي الأكرم محمّد صلّى اللّه عليه وآله إساءة قبيحة وعدوانية بحقّ نبي الإسلام والرسالة الدينية الرحيمة، ولا تمت إلی الحرية بتاتاً.
إنّ النبي العظيم محمّد صلّى الله عليه واّله علّم البشرية كيفية التعايش السلمي بين مختلف الأديان والطواٸف والقوميات، حيث دوّن أوّل وثيقة سلم في يثرب، حفظ فيها حقوق مختلف الانتماءات والمعتقدات، وأنّ ل الوثنى أو اليهودي يحق له إقامة شعائره، ولا يحق للمسلم الاستهزاء به أو الاعتراض عليه، وهذا يكشف عن عظمة الرسالة وسعة أفق الرسول محمّد صلّی اللّه عليه وآله ونظرته الانسانية الشاملة.
إنّ المنطق الغربي الذي يقونن الاستهزاء بمقدسات المسلمين وشعائرهم وحجاب المسلمة والتضييق عليهم، ورميهم بالاسلام فوبيا، وفي ذات الوقت يجرم انتقاد الهولوكست أو التشكيك في أعداد الضحايا اليهود، ويحكم علی فاعله بالسجن والغرامة كما حصل مع الكثير ومنهم علی سبيل المثال لا الحصر المفكر روجيه غارودي، وهذه من الازدواجية المقيتة التي تعيشها الرأسمالية الغربية المتوحشة.
إنّ السؤال الذي ما زلنا ننتظر الاجابة عنه هو لماذا لا يشرع القانون الفرنسي منع الاساءة لكرامة ومشاعر ومقدسات الآخر مع الابقاء علی حرية النقد والاعتراض وتجريم الاساءة والتعدي كما فعل بحق الهولوكست ومنع النقد أو التشكيك فيه؟!
إنني ادعو كُلّ الاحرار في فرنسا لنشر كلام الفيلسوف الفرنسي روجيه غارودي في نقده للهوكولست عبر وسائل شبكات التواصل وعبر المدارس والجامعات ومراكز الابحاث كيما تتعرف الشعوب الأوربية والعالم أن الصهيونية العالمية تحرك ادواتها الكبيرة من أجل الفتنة بين الأديان والشعوب ومن أجل زعزعة الاستقرار والتعايش الديني والإنساني السلمي،
وعلى المسلمين في فرنسا وغيرها من البلدان الغربية أن يعلموا أنّ المستهدف ليس تشويه صورة النبيّ الأعظم محمّد صلى اللّه عليه وآله،
بل الهدف هو كيانهم الوجودي ومستقبلهم.
نعم، هذا لا يعني السكوت وتمرير الاساءة من دون موقف، بلعلينا أن نعرف كيف نواجه الفتنة الصهيونية ونحول الأزمة إلى فرصة لنشر ثقافة الإسلام في التسامح والتعايش الانساني فلا ننجر خلف اراده الاعداء ولا ننساق خلفهم في مشروعهم الفتنوي وتحقيق أهدافهم اللانسانية واللااخلاقية من حيث لا نشعر.
ونحن بدورنا ندعوهم إلى الحوار ومنطق الكلمة الطيبة والجدال بالتي هي أجمل وأحسن وإلى القول الحسن وأخبروهم أنّ الامام الثامن من خلفاء النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وجه دعوات كريمات إلى كُلّ الحضارات والاتجاهات الفكرية والاديان وطلب من الخليفة المامون أن يكرم الوفود كُلّها، واقام أعظم مؤتمر لحوار الحضارات والاديان، وكان منطقه الجدال بالأحسن، وكان خطابه البرهان والدليل العلمي والأدب الرفيع والرحمة والمحبة والسلام وهكذا علم حفيد محمّد عليه السلام الامام الرضا عليه الصلاة والسلام أنّ النظام العالمي لا بد أن يرتكز على حوار الحضارات لا علی صراع الحضارات، والتعايش بين الشعوب لا التنافر والتناحر فيما بينها، وأنّ التعاون على البّر والتقوى هو الأساس لسعادة البشرية
إننّا نفتخر إذ ننتمي لمحمّد وال محمّد عليهم الصلاة والسلام الذين جسدوا منطق فتوحات العقول والقلوب، والاخلاق الاسلامية والانسانية الفطرية علی أكمل وجه وأتمه.