بنو النضير قبيلةٌ عربيّةٌ يهودية الديانة كانت تتخذُ من المدينة المنورة والمعروفة بيثرب قبل الإسلام موطنًا لها،وترجع في نسبها إلى قبيلة أزد اليمنية، وعندما دخل الإسلام إلى يثرب ثمَّ هاجر النبي صلى الله عليه وآلة وسلم إليها بقيت قبيلة بني النضير فيها إضافةً إلى قبيلتين أخريين من القبائل العربية اليهودية وهما بنو القينقاع، وبنو قريظة وقد عقد الرسول الكريم مع هذه القبائل معاهدة السلام وحسن الجوار والنُّصرة؛ فكانت قبيلة بني النضير من أوائل القبائل التي نقضت العهد والميثاق مما نتج عنه ما عُرف تاريخيًّا باسم غزوة بني النضير.
أسباب غزوة بني النضير
أورد المؤرخون والرواة أن السبب الرئيس وراء وقوع هذه الغزوة هو التآمر الحاصل بين أفراد من قبيلة بني النضير لِقتل النبي صلى الله عليه وآلة وسلم، وقد جاء ذِكر الرواة من وجهين هما:
1- أنّ نفرًا من بني النضير طلبوا من الرسول صلى الله عليه وآلة وسلم القدوم إليهم في موضع اجتماعهم كي يسمعوا منه القرآن الكريم وتعاليم الدين الإسلامي، ويناقشوه في الإسلام فإن اقتنعوا بما يقول فسيدخلون الإسلام من فورهم، وحصل لهم ما أرادوا، وكانوا قد عقدوا العزم على قتله على حين غِرّةٍ، بحيث يطعنه كل رجلٍ منهم بخنجرٍ يخفيه تحت ثيابه، وعندما وصلت أنباء خطة الاغتيال إلى الرسول الكريم قرر إخراجهم من المدينة.
2- الرواية الثانية أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذهب إلى بني النضير يطلب منهم المساعدة في دفّع دية رجليْن من قبيلة بني كلابٍ بناءً على المعاهدة المُبرمة بين الرسول الكريم وبينهم بالنُّصرة كان قد قتلهما أحد الصحابة، وكان لهما عهدٌ بالأمان عند رسول الله، وطلبوا من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الجلوس بجانب جدارٍ، وهنا تآمر جماعةٌ منهم على قتل رسول الله بإلقاء رحىً عليه من فوق الجدار ووافق على هذا الأمر القبيح عمرو بن جحاش، لكنه لم يتمكن من تحقيق غايته؛ إذ أوحى الله سبحانه إلى رسوله الكريم بمكرهم؛ فقام من مكانه وعاد إلى المدينة عاقدًا العزم على إخراجهم منها.
أهداف غزوة بني النضير
هدفُ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من هذه الغزوة بوحيٍ من الله تعالى تلقين كل من يتآمر على المسلمين من اليهود والمنافقين والأعراب درسًا قاسيًا، وإيصال رسالةٍ مفادها أنّ قوة الجيش النبوي وقدرته العسكرية والتخطيطية على إلحاق الهزيمة بأعتى الجيوش عددًا وعتادًا، وبث الرعب في نفوس كل من تسوِّل له نفسه البعث مع المسلمين أو الاعتداء عليهم بأي شكلٍ كان فهم مؤيدون بنصر الله وعونه، وقد حققت الغزوة جميع أهدافها فأصبح المسلمون مهابي الجانب لدى جميع القبائل.
موقع وتاريخ غزوة بني النضير
حدثت هذه الغزوة حين هاجم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بجيشه منازل بني النضير الواقعة في جنوب المدينة المنورة بعد رفضهم الخروج من المدينة دون قتالٍ بتحريضٍ من المنافقين، ووقعت أحداث الغزوة في شهر ربيع الأول من السنة الرابعة للهجرة النبوية.
أحداث غزوة بني النضير
قرّر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إجلاء بني النضير عن المدينة لمخالفتهم الميثاق المُبرم مع المسلمين وتآمرهم على قتله؛ فبعث لهم برسالةٍ مع الصحابي محمد بن سلمة يُمهلهم فيها عشر أيامٍ لمغادرة المدينة دون قتالٍ، ومن وُجِد بعدها فسوف يُقتل، فما كان منهم إلا الاستعداد للرحيل حتى جاءهم رئيس المنافقين عبد الله بن أُبي وشجعهم على البقاء وعدم الخروج، وطمأنهم أنّ معه ألفي مقاتل إلى جانب قبيلتي غطفان وبنو قريظة اللتين ستقاتلان إلى جانبهم، فامتنعوا عن الخروج.
حصار المسلمين لليهود
خرج الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إلى بني النضير في شهر ربيع الأول من السنة الرابعة للهجرة في جيشٍ من أصحابه عندما امتنعوا عن مغادرة المدينة المنورة طواعيةً، وفرض عليهم الحصار في حصونهم، حيث بدأوا يرمون المسلمين بالحجارة والنِّبال من داخل تلك الحصون؛ فأمر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بحرّق أشجار النخيل المحيطة بالحصون فخارت عزائمهم وازداد وضعهم سوءً حين اعتزلهم بنو قريظة وتخلّى عنهم رئيس المنافقين فلم يقاتلْ معهم أحدٌ هذا إلى جانب الرعب الذي ألقاه الله سبحانه في قلوبهم كما جاء في آيات من سورة الحشر.
إجلاء بني النضير
استسلم بنو النضير بعد الحصار الخانق الذي فرضه عليهم المسلمين بعد ستّ ليالٍ، وفي روايةٍ أخرى بعد خمس عشرة ليلةً، وقد سمح لهم رسول الله بالخروج حاملين ما شاءوا من المتاع والمال ما عدا السلاح، واستقروا في خبير وبعضهم ذهب إلى بلاد الشام، وقسّم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أرضهم وديارهم بين المسلمين خاصةً المهاجرين الأولين منهم.
مواضع ذكر غزوة بني النضير في القرآن
جاء القرآن الكريم على ذِكر غزوة بني النضير وما صدر عن يهود بني النضير من خيانةٍ للعهد وأحداث تلك الغزوة وخروج بنو النضير من المدينة جراء أمرٍ إلهيٍّ واردٍ في آيات من سورة الحشر حيث ، قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ* وَلَوْلَا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ* ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ* مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ* وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}