وجه سماحة العلامة الشيخ أسد محمد قصير، استاذ الدراسات العليا في الحوزة العلمية، يوم الاحد، رسالة إلى جميع علماء الدين، و الصروح الإسلامية و المسيحية، والمراكز الدينية، والروابط والهيئات العلمائية، والمراقد الشريفة والمتولين عليها:
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد وبارك على محمد وال محمد كما صليت وباركت على ابراهيم وال ابراهيم.
بدايةً: تحياتي لجميع علماء الدين من مسلمين ومسيحيين، وإلى المراكز الدينية والمراقد الطاهرة والمتولين عليها ، ثم أنه لا يخفى عليكم ما قام به الرئيس الأمريكي السابق من وضع مركز ديني تاريخي عظيم في لائحة العقوبات وهو مشهد الامام علي بن موسی الرضا(عليه السلام)، أحببت أن اوجه إلى حضراتكم بشخصياتكم الحقيقية والحقوقية عرضاً مختصرا لهذا المركز الإيماني ودوره عبر قرون متمادية منذ تأسيسه إلى اليوم.
أولا: أن صاحب هذا المرقد الشريف من السلالة الابراهيمية التي اصطفاها الله عز وجل(إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ☆ ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)[سورة آل عمران اية 34،33]، وهو من الذين أشار إليهم القران الكريم (فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ)[سورة ابراهيم اية 37] فهو من ذرية ابراهيم واسماعيل ومحمد (عليهم وعلى نبينا واله صلوات الله) وهو الامام الثامن من خلفاء النبي وأوصياءه وأسباطه الاثنى عشر، وهو باب من أبواب مدينة علم النبي الأعظم(ص) الذي أورثه الله الكتاب(ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ۖ)[سورة فاطر اية 32]، وهو بإجماع كل الاديان والمذاهب كان أعلم الناس في زمانه، وعالم آل محمد، وأشبه الناس خُلقاً ومنطقاً وهدياً بجده محمد (ص) وهو بضعته كما في الحديث: ( تدفن بضعةٌ مني في خراسان) فهو ابن الامام علي(ع) صوت العدالة الاجتماعية، وابن السيدة فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين ذات العطاءات الانسانية(وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا)[سورة الانسان18]، وهو ابن الامام الحسين (ع) الثائر من أجل الحرية والعدالة، وابن زين العابدين(ع) صاحب الأدعية العرفانية، زبور آل محمد(الصحيفة السجادية) ، ومؤلف أول رسالة في الحقوق الانسانية، وابن الامام الباقر (ع)الذي بقر علوم الأولين والآخرين، وابن الامام الصادق (ع) صادق آل محمد ناشر المعارف الاسلامية، وابن الإمام الكاظم(ع) صاحب المثل الأعلى في التسامح والعفو، وفي كظم الغيظ والصبر ، وهو(الامام الرضا ع) الذي من صلبه الامام الثاني عشر، الإمام المهدي الموعود (ع)، المعضود بنبي الله عيسى (عليه السلام)، الذي سيملئ الأرض بالعدل والقسط ،ونشر المعرفة بنبي الله (ع) والنور والعدل لكل البشرية.
ثانياً : دور الإمام الرضا(ع) الحضاري.
أ_ إنه عليه السلام قدم للعالم خدمات علمية وثقافية لاتحصى، وهو مؤسس حوار الحضارات والأديان والمذاهب ، ففي سنة ٢٠١ هجرية عندما جاء به الخليفة المأمون إلى خراسان، طلب من المؤمنين تحويل الفتوحات العسكرية الى فتوحات معرفية، وجعل الحوار هو المنهج الحكيم بين جميع الأديان والاتجاهات الفكرية، وطلب من الخليفة توجيه دعوة لعلماء وزعماء الأديان وممثلي الحضارات من _ اليهود والنصارى والصابئة والثنوية_ وحتى الملاحدة والزنادقة، وأقام صرحا حواريا ليس له نظير، وكان يحاورهم بإقامة الحجج والأدلة والبراهين، ويجادلهم بالتي هي أحسن، فهو مؤسس أعظم وأكبر حوار إنساني حضاري عالمي، وكل ذلك في إطار من الاحترام والحرية وليس لهذا الانجاز أي مثيل عبر التاريخ.
ب_ قدم ثورة معرفية وعلمية في شتى العلوم، وهو المؤسس والباني للحضارة الإسلامية التي ظهرت في عصر العباسبين، ومنها: دوره العلمي في علم الفلك والطب والفلسفة والكلام والعلوم العقلية فضلا عن العلوم الدينية وغيرها، فقد نشر العلوم المختلفة تأسيسا للحضارة الإسلامية التي ما زال الناس يتمتعون بها إلى يومنا هذا .
ج_ ترسيخ ونشر ثقافة احترام الكرامة الانسانية، والقيم الايمانية، والاجتماعية، وثقافة التعامل بالحسنى والسلام بين البشر، ونشر المحبة والتراحم والتوحد، وتلاقح وتنوير العقول، وتقارب القلوب، بغض النظر عن العقيدة.
ثالثاً: دور العتبة الرضوية
كان هذا المرقد من أهم المراكز الروحية تهوي أفئدة الناس إليه من سنة وشيعة ومسيحيين وغيرهم، فإلى هذا المكان يلتجئ المذنبون لتطهير القلوب وارتقاء النفوس في المراتب الروحية، فكان الكثير من العلماء يلتجؤون بهذا المكان للوصال بالله والتوسل إليه، فهو من أهم المراقد العرفانية والروحانية بإجماع كل المؤمنين في العالم، وكان يزوره ويوصي بزيارته كبار علماء أهل السنة والجماعة كابن حبان وابن خزيمة اللذين كانا يزوران ويلوذان إلى مقامه المطهر .
والعتبة الرضوية وقفَ لها المؤمنون منذ مئات السنوات الكثير من الأراضي والمزارع بالإضافة إلى تبرعات الخيرين و نذوراتهم لما رأوا فيها من الكرامات الباهرات، وكان هذا المكان الشريف ملجأ ومأوى الفقراء والمساكين والمحرومين، ناشراً ومعيلاً للكثير من العوائل من الأديان والمذاهب المختلفة، وله سجل واسع بالعطاءات الجزيلة، لا يستند في تمويله الا إلى مصادره الذاتية، ولا يتلقى العون من أي جهة رسمية او دولية، ومن هنا : فإننا نأمل منكم جميعاً استنكار ما قامت به الإدارة الأمريكية السابقة من وضع هذا المركز الإيماني الروحاني الإيماني ذي الدلالة الحضارية الكبيرة في لائحة العقوبات؛ لأن هذا العمل مخالف للقوانين الدولية فهذا المرقد مسجل في اليونسكو كأكبر معلم من المعالم الدينية بالإضافة إلى أنه ليس له أي نشاط ذي طابع سياسي، وما نقموا منه إلا لإشعاعاته الفياضة بالرحمة التي تعم الناس جميعاً، وليس له رسالة إلا نشر حوار الحضارات والأديان والوحدة بين المسلمين، وهو بيت من بيوت الله التي يذكر فيها اسمه، كما أن للعتبة الرضوية أيادي بيضاء في تقديم الاغاثات الانسانية للشعوب التي واجهت الحروب والكوارث بلا فرق بين أديانهم ومذاهبهم. وما فعلته الإدارة الأمريكية السابقة قضية جديدة، وبدعة في العلاقات الدولية والنظام العالمي، ويُخشى أن تمتد إلى المعالم الدينية في العالم، وإننا نشيد بكم جميعاً للإنكار والشجب لعلهم يعقلون…