الدعاء جوهر العبادة وروحها؛ فإن الغاية من خلق الانسان العبادة: والغاية من العبادة الانشداد إلى الله. والدعاء يحقق هذا الانشداد والارتباط من اوسع الابواب، وبأقويٰ الوسائل.
وقد روي عن رسول الله صلي الله عليه واله وسلم: «الدعاء مخ العبادة؛ ولا يهلك مع الدعاء أحد»([1]).
وروي عن رسول الله صلي الله عليه واله وسلم أيضاً. «افزعوا إلى الله في حوائجكم، والجأوا إليه في ملماتكم، وتضرعوا إليه، وادعوه؛ فإن الدعاء مخ العبادة وما من مؤمن يدعو الله إلا استجاب؛ فإما أن يعجله له في الدنيا، أو يؤجل له في الآخرة، وإما أن يكفر عنه من ذنوبه بقدر ما دعا؛ ما لم يدع بمأثم»([2]).
وتكاد الرواية ترينا طريقة حركة الانسان إلى الله في الدعاء وإقباله عليه.
تأملوا:
(إفزعوا إلى الله في حوائجكم)، (والجأوا إليه في ملماتكم)، (وتضرعوا إليه).
وفي رواية أخرى عن رسول الله صلي الله عليه واله وسلم: «الدعاء سلاح المؤمن وعماد الدين»([3]).
وإنما كان الدعاء (عماد الدين)، لأنه قوام الدين وهو التحرك إلى الله، والدعاء إقبال على الله.
ولما كانت حقيقة الدعاء هي الاقبال على الله كان الدعاء أحب شيء الى الله واكرم شيء عنده.
عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: «ما من شيء أكرم على الله تعالى من الدعاء)([4]).
وعن حنان بن سدير عن أبيه، قال: «قلت للباقر عليه السلام؛ أي العبادة أفضل؟ فقال: ما من شيء أحب إلى الله من ان يسأل ويطلب ما عنده؛ وما أحد ابغض إلى الله عزوجل ممن يستكبر عن عبادته ولا يسأله ما عنده»([5]).
يقول تعالى: ﴿وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين﴾([6]).
والاستكبار عن العبادة في هذه الاية الكريمة هو الاعراض عن الدعاء، فإن السياق يدعو إلى الدعاء. يقول تعالى: «ادعوني استجب لكم» وبعد ذلك مباشرة يقول: (إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين).
إذن الاعراض عن الدعاء في هذه الآية الكريمة بحكم الاستكبار عن العبادة؛ لأنه إعراض عن الله.
وروي بهذا المعنى عن الإمام الصادق عليه السلام في تفسير الآية الكريمة: «هي والله العبادة؛ هي والله العبادة».
وعن حماد بن عيسى عن الصادق عليه السلام: «إن الدعاء هو العبادة؛ إن الله عز وجل يقول: (إنّ الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين) ([7]).
ولا قيمة للإنسان عند الله إلا بالدعاء، وبمقدار الدعاء، ولا يعبأ الله تعالى بعبده إلا بقدار ما يدعو الله ويقبل عليه ﴿قل ما يعبأ بكم ربي لولا دُعاؤكم﴾([8]).
وذلك لأن الدعاء في الحقيقة يساوي الإقبال على الله، كما أن الإعراض عن الدعاء إعراض عن الله، ومن يعرض عن الله فلا يعبأ الله به، ولا قيمة له عند الله.
عن أبي جعفر الباقر في حديث: «وما أحد أبغض إلى الله عز وجل ممن يستكبر عن عبادته، ولا يسأل ما عنده»([9]).
وعن رسول الله صلي الله عليه واله وسلم: «لتسألن الله أو ليغضبن عليكم، إن لله عباداً يعملون فيعطيهم داخرين، يسألونه صادقين فيعطيهم، ثم يجمعهم في الجنة، فيقول الذين عملوا: ربنا عملنا فأعطيتنا، فما أعطيت هؤلاء؟ فيقول: هؤلاء عبادي أعطيتكم أجوركم ولم ألتكم من أعمالكم شيئاً، وسألني هؤلاء فأعطيتهم وأغنيتهم، وهو فضلي أوتيه من أشاء»([10]).
سماحة الشيخ محمد مهدي الآصفي، الدعاء عند أهل البيت (عليهم السلام) – بتصرّف
([1]) بحار الانوار 93 : .. 3.
([2]) بحار الانوار 93 : 2. 3.
([3]) بحار الانوار 93 : 288.
([4]) مكارم الاخلاق : 311.
([5]) مكارم الاخلاق : 311 ونفس المضمون في المحاسن للبرقي : 292.
([6]) سورة غافر: 60
([7]) وسائل الشيعة 4 : 1083.
([8]) الفرقان : 77.
([9]) وسائل الشيعة 4 : 108 ، ح 8604.
([10]) وسائل الشيعة 4 : 1084 ، ح 8609.