لما فرغوا من دفن أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام) في أرض الغري “بظهر الكوفة” قام صعصعة بن صوحان العبدي يؤبّن الإمام (ع).
وقف صعصعة بن صوحان العبدي على قبر الامام علي (عليه السلام) ووضع إحدى يديه على فؤاده والأخرى قد أخذ بها التراب وضرب به رأسه ثم قال: بأبي أنت وأمي يا أمير المؤمنين، هنيئا لك يا أبا الحسن، فلقد طاب مولدك، وقوي صبرك، وعظم جهادك، وظفرت برأيك، وربحت تجارتك، وقدمت على خالقك فتلقاك ببشارته، وحفتك ملائكته.
واستقررت في جوار المصطفى (ص)، فأكرمك الله بجواره، ولحقت بدرجة أخيك المصطفى (ص)، وشربت بكأسه الأوفى.
فاسأل الله أن يمن علينا باقتفائنا أثرك، والعمل بسيرتك، والموالاة لأوليائك، والمعاداة لأعدائك، وأن يحشرنا في زمرة أوليائك.
فقد نلت ما لم ينله أحد، وأدركت ما لم يدركه أحد، وجاهدت في سبيل ربك بين يدي أخيك المصطفى (ص) حق جهاده، وقمت بدين الله حق القيام حتى أقمت السنن، وأبرت الفتن، واستقام الإسلام وانتظم الإيمان، فعليك مني أفضل الصلاة والسلام.
بك اعتدل ظهر المؤمنين واتضحت أعلام الســــبل، وأقيمت الســـنن، وما جمع لأحد مناقبك وخصالك.
سبقت إلى إجابة النبي (ص) مقدما مؤثرا، وسارعت إلى نصرته، ووقيته بنفسك ورميت سيفك ذا الفقار في مواطن الخوف والحذر، قصم الله بك كل جبار عنيد، وذل بك كل ذي بأس شديد، وهدم بك حصون أهل الشرك والكفر والعدوان والردى، وقتل بك أهل الضلال من العدى.
فهنيئا لك يا أمير المؤمنين كنت اقرب الناس من رسول الله (ص) قربى وأولهم سلما وأكثرهم علما وفهما.
فهنيئا لك يا أبا الحسن، لقد شرف الله مقامك، وكنت اقرب الناس إلى رسول الله (ص) نسبا، وأولهم إسلاما، وأوفاهم يقينا، وأشدهم قلبا، وأبذلهم لنفسه مجاهدا، وأعظمهم في الخير نصيبا.
فلا حرمنا الله أجرك، ولا ذلنا بعدك، فوالله لقد كانت حياتك مفاتح للخير ومغالق للشر، وإن يومك هذا مفتاح كل شر ومغلاق كل خير، ولو أن الناس قبلوا منك لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم، ولكنهم آثروا الدنيا على الآخرة.
ثم رثا أمير المؤمنين (عليه السلام) بهذه الأبيات:
ألا، مــــــن لــــــي بــــــأنـــسك يا أخيا ومـــــن لـــــــي أن أبـــــثك مـــــا لــديا
طوتــــــك خــــــطوب دهــــر قـــد تولى لــــــذاك خطــــــوبه نـــــــشرا وطـــــيا
فـــــلو نـــــشرت قـــــواك لــي المــنايا شــــــكوت إليـــــــك مـــــا صــنعت إليا
بــكيـــــتك يــــــا عــــــلي بــــدر عيـني فــــــلم يـــــغن الـــــبكاء عـــــليك شـيا
كــــــفى حـــــزنا بدفــــــنك ثــــم إنـــي نفـــــضت تـــراب قبـــــرك مــــن يــديا
وكـــــانت فـــي حـــــــياتك لـــي عــظاة وأنــــــت اليــــــوم أوعـــــظ مــنك حيا
فــــــيا أســـــفي علـــــيك وطول شوقي ألا لــــــــو أن ذلــــــــــك رد شــــــيــــا