قال تعالى: ﴿وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّی يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْری مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾([1]).
إشارات:
– “الخوض” في الأصل هو الشروع في الماء والمرور فيه، ويُستعار في الأمور، وأكثر ما ورد في القرآن فيما يُذمّ الشروع فيه، أو الدخول في موضوع بقصد الاستهزاء والسخرية لا من أجل فهم الحقيقة واستيضاح الأمور([2]).
- «بَعْدَ الذِّكْری» قد تعني بعد تذکير الآخرين، أو أن يتذکّر الإنسان هو نفسه.
– سؤال: نعلم أنّ الأنبياء معصومون، إذن، کيف نفسّر قول الآية الکريمة من أنّ الشيطان ينفذ إلی نفس النبي الکريم فينسيه ما ذُکّر به، «يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ»؟
الجواب: ذکر تأثير الشيطان في مسألة النسيان هو محض افتراض، تماماً مثلما ورد في الآية الکريمة «لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ»([3])، أو الآية «ولَو تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ»([4])، والحقيقة أنّه لم يقع منه لا شرک ولا تقوّل، فهو مجرّد افتراض.
وربّما کان أتباع النبي هم من قصدتهم الآية الکريمة لا شخصه الکريم صلّی الله عليه وآله وسلّم، علی طريقة إيّاک أعني واسمعي يا جارة.
- شبيه ذلک ما ورد في الآية ١٤٠ من سورة النساء: «إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللهِ يُكْفَرُ بِهَا ويُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّی يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ…«.
وفي أحاديث وروايات عديدة عن النبي الکريم صلّی الله عليه وآله وسلّم والأئمة المعصومين عليهم السلام ورد نهي للمسلم عن مجالسة أهل الخصومات أو المشارکة في مجالس المعصية إذا علم أنّه لن يُقبل منه، حتی وإن کانوا من أقاربه. وفي هذا السياق، يوصي الإمام علي عليه السلام ولده بالقول: قال أمير المؤمنين عليه السلام في وصيته لابنه محمد بن الحنفية: “ففرض علی السمع أن لا تصغي به إلی المعاصي، فقال عز وجل: «وإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّی يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ» ثم استثنی عزّ وجلّ موضع النسيان، فقال: «وإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْری مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ»([5]).
- کما نُقل عن رسول الله صلّی الله عليه وآله وسلّم بالاستناد إلی هذه الآية قوله: «من کان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس في مجلس يُسبّ فيه إمام أو يعاب فيه مسلم إنّ الله تبارک وتعالی يقول: «وإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ»”([6]).
- وعن الإمام علي عليه السلام أنّ “مجالسة الأشرار تورث سوء الظنّ بالأخيار”([7]).
التعاليم:
١- لا بدّ للمسلم أن يُري الأعداء حميّته وغيرته الدينية علی المقدّسات، «وإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ«.
٢- الإعراض عن الشرور والمساوئ والنضال السلبي ضدّ المسيئين هو أحد الأساليب في النهي عن المنکر، «فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ«.
٣- الاهتمام أو الاستماع إلی اللغو والأباطيل ومطالعة کتب الضلال أو مشاهدة البرامج المضلّة أمرٌ مذموم ومرفوض([8])، «يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ» طبعاً، إلّا إذا کان يُقصد منها الردّ علی تلک الأباطيل من قبل المختصّين، ففي هذه الحالة لا مانع من ذلک.
٤- بدلاً من الانصهار في المجتمعات أو الجماعات أو المجالس الفاسدة، يجب علی المرء أن يعمل علی تغييرها، «حَتَّی يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ«.
٥- لا تکفي البراءة والإدانة اللفظية، بل يجب التصدّي بنحوٍ من الأنحاء، «فَأَعْرِضْ … فَلَا تَقْعُدْ«.
٦- لا تجوز مجالسة الظالمين لذلک ينبغي لنا الإعراض عنهم، «فَلَا تَقْعُدْ«.
٧- العلم والوعي هو شرط التکليف، «وإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ»، النسيان عذر مقبول.
٨- التطاول علی القرآن الکريم بغير حقّ من خلال الاستهزاء أو التفسير بالرأي أو نشر البدع أو التحريف… ظلم، «الظَّالِمِينَ«.
تفسير النور، سماحة الشيخ محسن قراءتي
([1]) سورة الأنعام، آية: 68.
([2]) تفسير مجمع اليبان.
([3]) سورة الزمر، الآية ٦٥.
([4]) سورة الحاقة، الآية ٤٤.
([5]) تفسير نور الثقلين.
([6]) وسائل الشيعة، ج ١٦، ص ٢٦٦.
([7]) وسائل الشيعة، ج ١٦، ص ٣٦٥.
([8]) ربّما أمکننا الاستناد إلی هذه الآية في تحريم کتب وبرامج الضلال.