وردت في القرآن الكريم (360) آية تحدثت عن العمل ووردت (190) آية عن (الفعل) وهي تتضمن أحكاماً شاملة للعمل، وتقديره ومسؤلية العامل وعقوبته ومثوبته([1]) ولا بد لنا من عرض بعض الآيات التي حثت على العمل الصالح الذي يترتب عليه الثواب والمغفرة من اللّه كما لا بد من عرض الآيات الأخر التي حثت على لزوم السعي والكسب لتحصيل الرزق، والى القراء ذلك:
1 – العمل الصالح:
إن العمل الصالح شعار الاسلام وهدفه الأسمى. انه رمز عظمة هذا الدين الذي أقام العدل، وبسط الخير ونشر المحبة بين الناس. انه عنوان الدعوة الاسلامية الخالدة التي أعلنها المنقذ الأعظم محمد صلى اللّه عليه وآله وسلم فجعل العمل الصالح جوهرها وحقيقتها التي لا تنفصل عنه. إنه نشيد الأبرار والعظماء والمصلحين من أبناء القرآن. إنه صلاح القلوب، وسلامة النية، وطهارة النفس، وأصل التسامح والتعاون على البر والتقوى. إنه أساس الامتياز بين الناس في نظر الاسلام، فليس التفوق بكثرة الأموال، ولا بالمتع الزائلة، وإنما هو بالتقوى وعمل الخير «إن أكرمكم عند اللّه أتقاكم». ولنستمع إلى الآيات الكريمة التي أشادت بالعمل الصالح، ورفعت من كيان الصالحين. قال اللّه تعالى: (ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى اللّه، وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين)([2]). وقال تعالى: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلاً)([3]). وقال تعالى: (من عمل صالحاً من ذكر وأنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة، ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون)([4]). وقال تعالى: (ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيراً)([5]). وقال اللّه تعالى: (والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً وعد اللّه حقاً ومن أصدق من اللّه قيلا)([6]). وقال تعالى: (فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحدا)([7]). وقال تعالى: (يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً اني بما تعملون عليم)([8]). وقال اللّه تعالى: (واني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى)([9]). وقال تعالى: (الذين يعملون الصالحات إن لهم أجراً كبيراً)([10])، إلى غير ذلك من الآيات الكريمة التي دعت الناس إلى العمل الصالح وحفزتهم إلى كسبه والتسابق إليه، وانه خير ما يكتسبه الانسان في حياته فإنه ذخر له في آخرته وشرف له في دنياه.
2 – الحث على الكسب:
لقد أعلن القرآن الكريم دعوته الأكيدة على ضرورة العمل، وعلى الكسب، وبذل الجهد قال اللّه تعالى: (فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض، وابتغوا من فضل اللّه، واذكروا اللّه كثيراً لعلكم تفلحون)([11]). إن المنهج الاسلامي يتسم بالتوازن بين العمل لمقتضيات الحياة في الأرض، وبين العمل في تهذيب النفس، والاتصال باللّه تعالى وابتغاء رضوانه، والى ذلك يشير القرآن الكريم: (وابتغ فيما آتاك اللّه الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا)([12]) انه ليس من الاسلام في شيء أن يتجه المسلم بجميع قواه وطاقاته لتحصيل متع الحياة، والظفر بملاذها وينصرف عن اللّه، وكذا لا يتجه نحو عمل المثوبة فحسب بل عليه أن يعمل لدنياه وآخرته معاً. إن القرآن الكريم قد دعا الناس إلى العمل، وحثهم عليه وحتم عليهم أن يكونوا ايجابيين في حياتهم يتمتعون بالجد والنشاط ليفيدوا ويستفيدوا، وكره لهم الحياة السلبية، والانكماش والانزواء عن العمل، قال تعالى: (فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور)([13]). إن اللّه تعالى خلق الأرض، وملأها بالنعم والخيرات لأجل أن يعيش الانسان في رفاهية وسعة، قال تعالى: (وآية لهم الأرض الميتة أحييناها، وأخرجنا منها حباً فمنه يأكلون وجعلنا فيها جنات من نخيل وأعناب، وفجرنا فيها من العيون ليأكلوا من ثمره وما عملته أيديهم أفلا يشكرون)([14]) ولن يظفر الانسان بهذه النعم إلا بالعمل والجد والكسب.
العمل وحقوق العامل في الإسلام، الشيخ باقر شريف القرشي
([1]) الاسلام: ص 154.
([2]) سورة حم السجدة: آية 32.
([3]) سورة الكهف: آية 6.
([4]) سورة النحل: آية 66
([5]) سورة النساء: آية 23.
([6]) سورة النساء: آية 21.
([7]) سورة الكهف: آية 111.
([8]) سورة المؤمنون: آية 52.
([9]) سورة طه: آية 81.
([10]) سورة الاسراء: آية 8.
([11]) سورة الجمعة: آية 10
([12]) سورة القصص: آية 76
([13]) سورة الملك: آية 15
([14]) سورة يس: آية 33 و 34 و35