مسير جيش الإمام علي(ع) إلى النهروان

مسير جيش الإمام علي(ع) إلى النهروان

في الإمام عـلي /

ما أدّى إلى تطوّر موقف الإمام في مواجهة الخوارج

1 – تاريخ الطبري عن حميد بن هلال – بعد أن ذكر أنّ الخوارج قتلوا عبد الله ابن خبّاب وامرأته – : وقتلوا ثلاث نسوة من طيء ، وقتلوا أُمّ سنان الصيداويّة ، فبلغ ذلك عليّاً ومن معه من المسلمين من قتلهم عبد الله بن خبّاب واعتراضهم الناس ، فبعث إليهم الحارث بن مرّة العبدي ليأتيهم فينظر فيما بلغه عنهم ، ويكتب به إليه على وجهه ، ولا يكتمه .

فخرج حتى انتهى إلى النهر ليسائلهم ، فخرج القوم إليه فقتلوه . وأتى الخبر أمير المؤمنين والناس ، فقام إليه الناس فقالوا : يا أمير المؤمنين علامَ تدَع هؤلاء وراءنا يخلفوننا في أموالنا وعيالنا ؟ ! سِر بنا إلى القوم ، فإذا فرغنا ممّا بيننا وبينهم سرنا إلى عدوّنا من أهل الشام .

وقام إليه الأشعث بن قيس الكندي فكلّمه بمثل ذلك – وكان الناس يرون أنّ الأشعث يرى رأيهم ؛ لأنّه كان يقول يوم صفّين أنصفنا قومٌ يدعون إلى كتاب الله ، فلمّا أمر عليّاً بالمسير إليهم علم الناس أنّه لم يكن يرى رأيهم – فأجمع على ذلك ، فنادى بالرحيل ( 1 ) .
إشخاص الإمام قيس بن سعد إليهم قبل المسير

2 – تاريخ الطبري عن عبد الله بن عوف : لمّا أراد عليّ المسير إلى أهل النهر من الأنبار قدّم قيس بن سعد بن عبادة ، وأمره أن يأتي المدائن فينزلها حتى يأمره بأمره . ثمّ جاء مقبلاً إليهم ، ووافاه قيس وسعد بن مسعود الثقفي بالنهر ، وبعث إلى أهل النهر : ادفعوا إلينا قتلة إخواننا منكم نقتلهم بهم ، ثمّ أنا تارككم وكافّ عنكم حتى ألقى أهل الشام ، فلعلّ الله يقلّب قلوبكم ، ويردّكم إلى خير ممّا أنتم عليه من أمركم . فبعثوا إليه ، فقالوا : كلّنا قتلتهم ، وكلّنا نستحلّ دماءهم ودماءكم ( 2 ) .

3 – تاريخ الطبري عن عبد الرحمن بن أبي الكنود : إنّ قيس بن سعد بن عبادة قال لهم [ أهل النهروان ] : عباد الله ! أخرجوا إلينا طلبتنا منكم ، وادخلوا في هذا الأمر الذي منه خرجتم ، وعودوا بنا إلى قتال عدوّنا وعدوّكم ، فإنّكم ركبتم عظيماً من الأمر ؛ تشهدون علينا بالشرك ، والشرك ظلم عظيم ، وتسفكون دماء المسلمين وتعدّونهم مشركين .

فقال عبد الله بن شجرة السلمي : إنّ الحقّ قد أضاء لنا فلسنا نتابعكم ، أو تأتونا بمثل عمر . فقال : ما نعلمه فينا غير صاحبنا ، فهل تعلمونه فيكم ؟ وقال : نشدتكم بالله في أنفسكم أن تهلكوها : فإنّي لأرى الفتنة قد غلبت عليكم .

وخطبهم أبو أيّوب خالد بن زيد الأنصاري ، فقال : عباد الله ! إنّا وإيّاكم على الحال الأُولى التي كنّا عليها ، ليست بيننا وبينكم فرقة ، فعلامَ تقاتلوننا ؟

فقالوا إنّا لو بايعناكم اليوم حكمتم غداً .

قال : فإنّي أنشدكم الله أن تعجّلوا فتنة العام مخافة ما يأتي في قابل ( 3 ) .
نزول الإمام على فرسخين من النهروان

4 – الفتوح : سار عليّ ( رضي الله عنه ) حتى نزل على فرسخين من النهروان ، ثمّ دعا بغلامه فقال له : اركب إلى هؤلاء القوم ، وقل لهم عنّي : ما الذي حملكم على الخروج عليَّ ، ألم أقصد في حكمكم ؟ ألم أعدل في قسمكم ؟ ألم أقسم فيكم فيئكم ؟ ألم أرحم صغيركم ؟ ألم أُوقّر كبيركم ؟ ألم تعلموا أنّي لم أتّخذكم خَولاً ، ولم أجعل مالكم نفلاً ؟ وانظر ماذا يردّون عليك ، وإن شتموك فاحتمل ، وإيّاك أن تردّ على أحد منهم شيئاً .

فأقبل غلام عليّ حتى أشرف على القوم بالنهروان ، فقال لهم ما أمره به ، فقالت له الخوارج : ارجع إلى صاحبك ؛ فلسنا نجيبه إلى شيء يريده أبداً ، وإنّا نخاف أن يردّنا بكلامه الحسن كما ردّ إخواننا بحروراء عبد الله بن الكوّاء وأصحابه ، والله تعالى يقول : ( بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ ) ( 4 ) ، ومولاك عليّ منهم ، فارجع إليه وخبّره بأنّ اجتماعنا هاهنا لجهاده ومحاربته ، لا لغير ذلك ( 5 ) .
إخبار الإمام بما سيقع في الحرب

5 – الكامل في التاريخ : إنّ الخوارج قصدوا جسر النهر وكانوا غربه ، فقال لعليّ أصحابُه : إنّهم قد عبروا النهر !

فقال : لن يعبروا .

فأرسلوا طليعة ، فعاد وأخبرهم أنّهم عبروا النهر ، وكان بينهم وبينه نطفة من النهر ، فلخوف الطليعة منهم لم يقربهم ، فعاد فقال : إنّهم قد عبروا النهر .

فقال عليٌّ : والله ما عبروه ، وإنّ مصارعهم لدون الجسر ، ووالله لا يُقتل منكم عشرة ، ولا يسلم منهم عشرة .

وتقدّم عليّ إليهم فرآهم عند الجسر لم يعبروه ، وكان الناس قد شكّوا في قوله ، وارتاب به بعضهم ، فلمّا رأوا الخوارج لم يعبروا كبّروا ، وأخبروا عليّاً بحالهم .

فقال : والله ، ما كذبتُ ولا كُذّبت ( 6 ) .

6 – الإمام عليّ ( عليه السلام ) – لمّا عزم على حرب الخوارج ، وقيل له : إنّ القوم عبروا جسر النهروان – : مصارعهم دون النطفة ( 7 ) ، والله ، لا يُفلت منهم عشرة ، ولا يهلك منكم عشرة ( 8 ) .

7 – الكامل للمبرّد : قد قال عليٌّ وقيل له : إنّهم يريدون الجسر ، فقال : لن يبلغوا النطفة . وجعل الناس يقولون له في ذلك ، حتى كادوا يشكّون ، ثمّ قالوا : قد رجعوا يا أمير المؤمنين ! فقال : والله ، ما كذبتُ ولا كُذّبت .

ثمّ خرج إليهم في أصحابه وقد قال لهم : إنّه والله ما يُقتل منكم عشرة ، ولا يُفلت منهم عشرة . فقُتل من أصحابه تسعة ، وأفلت منهم ثمانية ( 9 ) .

8 – كنز العمّال عن أبي سليمان المرعش : لمّا سار عليٌّ إلى النهروان سرت معه ، فقال عليٌّ : والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة لا يقتلون منكم عشرةً ، ولا يبقى منهم عشرةٌ . فلمّا سمع الناس ذلك حملوا عليهم ، فقتلوهم ( 10 ) .

9 – الإرشاد عن جندب بن عبد الله الأزدي : شهدت مع عليّ ( عليه السلام ) الجمل وصفّين لا أشكّ في قتال من قاتله ، حتى نزلنا النهروان ، فدخلني شكّ ، وقلت : قرّاؤنا وخيارنا نقتلهم ؟ ! إنّ هذا لأمر عظيم .

فخرجت غدوة أمشي ومعي إداوة ( 11 ) ماء ، حتى برزت عن الصفوف ، فركزت رمحي ، ووضعت تُرْسي إليه ، واستترت من الشمس ، فإنّي لجالس حتى ورد عليّ أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، فقال لي : يا أخا الأزد ، أمعك طَهور ؟ قلت : نعم ، فناولته الإداوة ، فمضى حتى لم أرَه ، ثمّ أقبل وقد تطهّر فجلس في ظلّ التُّرس ، فإذا فارس يسأل عنه ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، هذا فارس يريدك ، قال : فأشر إليه ، فأشرت إليه ، فجاء ، فقال : يا أمير المؤمنين ، قد عبر القوم وقد قطعوا النهر !

فقال : كلاّ ، ما عبروا .

قال : بلى ، والله لقد فعلوا .

قال : كلاّ ، ما فعلوا .

قال : فإنّه لكذلك إذ جاء آخر فقال : يا أمير المؤمنين ، قد عبر القوم !

قال : كلاّ ، ما عبروا .

قال : والله ، ما جئتك حتى رأيت الرايات في ذلك الجانب ، والأثقال .

قال : والله ما فعلوا ، وإنّه لمصرعهم ومهراق دمائهم .

ثمّ نهض ونهضت معه ، فقلت في نفسي : الحمد لله الذي بصّرني هذا الرجل ، وعرّفني أمره ، هذا أحد رجلين : إمّا رجل كذّاب جريء ، أو على بيّنة من ربّه وعهد من نبيّه ، اللهمّ ! إنّي أُعطيك عهداً تسألني عنه يوم القيامة إن أنا وجدت القوم قد عبروا أن أكون أوّل من يقاتله ، وأوّل من يطعن بالرمح في عينه ، وإن كانوا لم يعبروا أن أُقيم على المناجزة والقتال .

فدفعنا ( 12 ) إلى الصفوف ، فوجدنا الرايات والأثقال كما هي ، قال : فأخذ بقفاي ودفعني ، ثمّ قال : يا أخا الأزد ، أتَبيّنَ لك الأمر ؟ قلت : أجل يا أمير المؤمنين .

قال : فشأنك بعدوّك . فقتلت رجلاً ، ثمّ قتلت آخر ، ثمّ اختلفت أنا ورجل آخر أضربه ويضربني فوقعنا جميعاً ، فاحتملني أصحابي ، فأفقت حين أفقت وقد فرغ القوم ( 13 ) .

10 – شرح نهج البلاغة : لمّا خرج عليّ ( عليه السلام ) إلى أهل النهر أقبل رجل من أصحابه ممّن كان على مقدّمته يركض ، حتى انتهى إلى عليّ ( عليه السلام ) فقال : البشرى يا أمير المؤمنين !

قال : ما بشراك ؟

قال : إنّ القوم عبروا النهر لمّا بلغهم وصولك ، فأبشر ؛ فقد منحك الله أكتافهم .

فقال له : أالله أنت رأيتهم قد عبروا !

قال : نعم .

فأحلفه ثلاث مرّات ، في كلّها يقول : نعم . فقال عليّ : والله ، ما عبروه ، ولن يعبروه ، وإنّ مصارعهم لدون النطفة ، والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة لن يبلغوا الأثلاث ولا قصر بوازن حتى يقتلهم الله ، وقد خاب من افترى .

قال : ثمّ أقبل فارس آخر يركض، فقال كقول الأوّل، فلم يكترث عليّ ( عليه السلام ) بقوله وجاءت الفرسان تركض ، كلّها تقول مثل ذلك.

فقام عليّ ( عليه السلام ) فجال في متن فرسه .

قال : فيقول شابّ من الناس : والله ، لأكوننّ قريباً منه ، فإن كانوا عبروا النهر لأجعلنّ سنان هذا الرمح في عينه ؛ أيدّعي علم الغيب ! فلمّا انتهى ( عليه السلام ) إلى النهر وجد القوم قد كسروا جفون سيوفهم ، وعرقبوا خيلهم ، وجثوا على ركبهم ، وحكّموا تحكيمة واحدة بصوت عظيم له زجل . ( 14 )

فنزل ذلك الشابّ ، فقال : يا أمير المؤمنين ، إنّي كنت شككت فيك آنفاً ، وإنّي تائب إلى الله وإليك ، فاغفر لي !

فقال عليّ ( عليه السلام ) : إنّ الله هو الذي يغفر الذنوب ، فاستغفره ( 15 ) .

ــــــــــــــــــــــــــــ

( 1 ) تاريخ الطبري : 5 / 82 ، الكامل في التاريخ : 2 / 403 ، أنساب الأشراف : 3 / 142 ، الإمامة والسياسة : 1 / 168 كلاهما نحوه وراجع الأخبار الطوال : 207 والبداية والنهاية : 7 / 288 .

( 2 ) تاريخ الطبري : 5 / 83 ، الكامل في التاريخ : 2 / 404 ، مروج الذهب : 2 / 415 ، الإمامة والسياسة : 1 / 168 وفيها من ” بعث إلى أهل النهر . . . ” ، البداية والنهاية : 7 / 288 .

( 3 ) تاريخ الطبري : 5 / 83 ، الكامل في التاريخ : 2 / 404 ، الأخبار الطوال : 207 نحوه .

( 4 ) الزخرف : 58 .

( 5 ) الفتوح : 4 / 261 .

( 6 ) الكامل في التاريخ : 2 / 405 . راجع : القتال / استبشار الناس بظهور آية من آيات النبوّة .

( 7 ) قال الشريف الرضي : يعني بالنطفة ماء النهر ، وهي أفصح كناية عن الماء ، وإن كان كثيراً جمّاً .

( 8 ) نهج البلاغة : الخطبة 59 ، كشف الغمّة : 1 / 267 ، المناقب لابن شهر آشوب : 2 / 263 ، إعلام الورى : 1 / 338 كلّها نحوه وليس فيها ” مصارعهم دون النطفة ” .

( 9 ) الكامل للمبرّد : 3 / 1105 وراجع مروج الذهب : 2 / 416 .

( 10 ) كنز العمّال : 11 / 322 / 31625 نقلاً عن يعقوب بن شيبة في كتابه ” مسير عليّ ” .

( 11 ) الإداوة : إناء صغير من جلد يتّخذ للماء كالسطيحة ونحوها ( لسان العرب : 14 / 25 ) .

( 12 ) دَفَع إلى المكان ودُفِع : انتهى ( لسان العرب : 8 / 89 ) .

( 13 ) الإرشاد : 1 / 317 ، إعلام الورى : 1 / 339 وراجع الكافي : 1 / 345 / 2 ، والمناقب لابن شهر آشوب : 2 / 268 والمعجم الأوسط : 4 / 227 / 4051 .

( 14 ) الزَّجَل : رفع الصوت الطَّرِب ( لسان العرب : 11 / 302 ) .

( 15 ) شرح نهج البلاغة : 2 / 271 ؛ بحار الأنوار : 33 / 348 / 587 .

المصدر: موسوعة الإمام علي(ع) في الكتاب والسنة والتاريخ / الشيخ محمد الريشهري

للمشاركة:

روابط ذات صلة

الإِمَامُ الحُسَين (ع) رَايَةُ العَدَالَةِ العَالِيَة
الإِمَامُ الحُسَين (ع) رَايَةُ العَدَالَةِ العَالِيَة
الظَاهِرَةُ الفِرعَونِيَّة فِي الحَضَارَةِ المِصرِيَّة
الظَاهِرَةُ الفِرعَونِيَّة فِي الحَضَارَةِ المِصرِيَّة
الاسْتِعدَادُ النَّفسِي لِضيَافَةِ اللهِ
الاسْتِعدَادُ النَّفسِي لِضيَافَةِ اللهِ
الأَمَلُ بِالعَدلِ والإِنتِظارِ المَسؤُول
الأَمَلُ بِالعَدلِ والإِنتِظارِ المَسؤُول
العَبَاسُ (ع) رَمزُ الفِدَاءِ وَنَبعُ العَطَاءِ
العَبَاسُ (ع) رَمزُ الفِدَاءِ وَنَبعُ العَطَاءِ

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل