يرى الإسلام أنّ حقيقة الإنسان هي روحه والتي لا تفنى بموته. وقد بيّن القرآن الكريم في الكثير من آياته مراحل خلق الإنسان وحقيقة الموت، وقد دلت هذه الآيات على وجود بعد غير جسمانيّ للإنسان يشكل حقيقة وجوده.. ومن جملة هذه الآيات: “ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ”([1]).
“قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ”([2]).
“وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلآئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ..”([3]).
وأشارت الروايات الإسلامية أيضاً إلى حقيقة الإنسان وبقائها بعد الموت، ومن جملتها ما ورد عن النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم حيث يقول: “ما خُلقتم للفناء بل خُلقتم للبقاء وإنّما تُنقلون من دار إلى دار”([4]).
تأثير الأعمال في الروح:
يعتبر الإسلام أنّ أعمال الإنسان تؤثّر في روحه، وأنّه مرتهن بأعماله الاختيارية وأنّ نتائج أعماله تعود إليه بشكل كامل، ومثالاً على ذلك، لاحظ هذ الآيات([5]):
– “كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ”([6]).
– ” كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ”([7]).
– “مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا”([8]).
– “أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاء الْأَوْفَى مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا”([9]).
– “فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ”([10]).
القيمة الذاتية والنهائية:
أشار القرآن الكريم إلى المطلوب الأصليّ والقيمة الذاتية بالاستفادة من العبارات “السعادة”([11])، “الفلاح”([12])، و”الفوز”([13]). والفلاح معناه الظفر والفوز والنجاح ولذا فإنّ من يزيل الموانع المعترضة لطريق سعادته والواصل إلى كماله الحقيقي يسمّى الفالح.
ومن طرفٍ ما فقد عبّر القرآن الكريم عن الّذين يزكّون أنفسهم من الرذائل بالمفلحين([14]).
ومن طرف آخر اعتبر الفَلَاح غاية الأعمال الحسنة للإنسان “لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون”([15]).
وأما الفوز فمعناه تحصيل المطلوب والوصول إليه، وكذلك فقد اعتبر القرآن أنّ غاية الأعمال الحسنة هي السعادة والفلاح والفوز ولم يذكر أيّ غاية أخرى لنفس هذه الأمور.
وفي القرآن اعتبرت “التقوى” صفة عامة لكمال الإنسان، وأنّ المتقين لهم الفوز([16])، الفلاح([17])، خير الآخرة والعاقبة الحسنة([18])، الجنة الخالدة([19])، وجوار الله تعالى([20]).
“إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ”([21]). وعليه فإنّ الإنسان بمقدار ما يكون تقياً يكون قريباً من الله تعالى، ولذا فإنّ أولياء الله في سعيهم لأعلى درجات القرب منه والوصول إليه يعتبرون ذلك أكبر مطلوب لهم.
وقد عرّف القرآن الكريم النبي الأعظم محمداً صلى الله عليه وآله وسلم بأنه الأسوة الحسنة([22]) وأنه وصل إلى أعلى مقامات القرب من الله: “ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى”([23]).
ويقول الإمام علي عليه السلام: “واجعلني من أحسن عبيدك نصيباً عندك، وأقربهم منزلة منك، وأخصهم زلفة لديك”([24]).
وكذلك فإنّ الإمام زين العابدين عليه السلام في مناجاته مع الله يطلب منه أعلى درجات القرب والوصول إليه:
“إلهي فاسلك بنا سُبُل الوصول إليك، وسيِّرنا في أقرب الطرق للوفود عليك.. فأنت لا غيرك مرادي، ولك لا لسواك سهري وسهادي، ولقاؤك قُرَّةُ عيني، ووصلك مُنى نفسي وإليك شوقي، وفي محبتك ولهي، وإلى هواك صبابتي، ورضاك بغيتي، ورؤيتك حاجتي، وجوارك طلبتي، وقربك غاية سؤلي… يا نعيمي وجنتي ويا دنياي وآخرتي”([25]).
ويقول سلام الله عليه:
“إلهي فاجعلني ممن اصطفيته لقربك.. ومنحته بالنظر إلى وجهك، وحبوته برضاك وأعذته من هجرك وقلاك وبوأته مقعد الصدق في جوارك.. واجتبيته لمشاهدتك”([26]).
“وغُلَّتي لا يبرّدها إلّا وصلك ولوعتي لا يُطفئها إلّا لقاؤك وشوقي إليك لا يَبُلُّهُ إلّا النظر إلى وجهك وقراري لا يقرّ دون دنوي منك… وغمّي لا يزيله إلّا قربك”([27]).
“أسألك أنّ تحقق ظني بما أؤمله من جزيل إكرامك وجميل إنعامك في القربى منك والزلفى لديك والتمتع بالنظر إليك”([28]).
أسس الأخلاق، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
([1]) السجدة 32: 9، الحجر 15: 29.
([2]) السجدة 32: 11.
([3]) الأنعام 6: 93.
([4]) محمّد باقر المجلسي، بحار الأنوار، ج58، ص 78.
([5]) كذلك راجع: النساء 4: 123، المائدة 5: 105، الأنعام 6: 104 و164، التوبة 9: 95، يونس 10: 52 و 108، الإسراء 17: 7 و15، الحج 22: 77، النحل 27: 40 و92، فاطر 35: 18، الزمر 39: 7، الجاثية 45: 15، المدثر 74: 38.
([6]) المطففين 83: 14.
([7]) الطور 52: 21.
([8]) فصلت 41: 46.
([9]) النجم 53: 38 – 41.
([10]) الزلزلة 99: 7 و8.
([11]) هود 11: 105 – 108.
([12]) آل عمران 3: 30، الحج 22: 77، المؤمنون 23: 1، الجمعة 62: 10، الأعلى 87: 14، الشمس 91: 9.
([13]) النساء 4: 13 – 14، المائدة 5: 119، الأنعام 6: 16، التوبة 9: 20 – 21، الأحزاب 33: 71، البروج 85: 11.
([14]) الأعلى 87: 14، الشمس 91: 9، “قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى”.
([15]) آل عمران 3: 130، الجمعة 62: 10.
([16]) الزمر 39: 61، النبأ 78: 31.
([17]) البقرة 2: 5.
([18]) النساء 4: 77، هود 11: 49.
([19]) القمر 54: 54، النبأ 78: 31.
([20]) لقمر 54: 55.
([21]) الحجرات 49: 13.
([22]) الأحزاب 33: 21.
([23]) النجم 53: 8 و 9.
([24]) إبراهيم العاملي، البلد الأمين والدرع الحصين، ص 191. مقتطف من دعاء كميل بن زياد.
([25]) محمّد باقر المجلسي، بحار الأنوار، ج91، ص 147 و148 مقتطف من مناجاة المريدين.
([26]) محمّد باقر المجلسي، بحار الأنوار، ج81، ص 148، مقتطف من مناجاة المحبين.
([27]) نفس المصدر، ص 150، مقتطف من مناجاة المفتقرين.
([28]) نفس المصدر، ص 146، مقتطف من مناجاة الراغبين.