تهب الصلاة القيمة لسائر أعمال الإنسان، لأنّها تُحيي روح الأخلاق، فهي عبارة عن مجموعة من النية الخالصة، والقول الطاهر، والأعمال النقيّة، وتكرار هذا المجموع في اليوم والليلة يغرس بذور سائر الأعمال الحسنة في روح الإنسان، ويُقوّي روح الإخلاص لديه، فيتيقّن عندها أنّ الصلاة مفتاح لكلّ خير، فهي التي تُعطي القلب أنساً وسعادة، وتُعطي الروح بشراً وطمأنينة، وتُعطي الجسد نشاطاً وحيوية، والإنسان كما هو معلوم لا يستمرّ على حال واحدة، فإنْ وجدته صافياً ساعة تعكّر أخرى، وإنْ وجدته مسروراً من شيء، نكّد عليه شيء آخر، وتتعدّد أنواع الصلاة، فللحضر صلاة، وللسفر صلاة وللمرض صلاة، وللخوف صلاة وللجمعة صلاة، وللعيدين صلاة، وللجنازة صلاة، وللاستسقاء صلاة، وللقيام صلاة،….. وكأنّها بهذا التعدّد تُطبّب الإنسان، فتداوي أسقامه، وتُعالج علله وهمومه وآلامه، وتستجلب بها الأرزاق، وتدفع بها الآفات والمصائب الملمّات لتكون بمثابة صيانة مستمرّة للعبد المسلم، فإذا فتّشت عن أثر الصلاة فيه وجدته صادقاً أميناً قانعاً وفيّاً حليماً متواضعاً عدلاً، ينأى عن الكذب والخيانة والطمع، والغدر والغضب والكبر والظلم، ومن كان كذلك يكون في صلة دائمة بمولاه جلّ ثناؤه، ومن كان متّصلاً بمولاه الكريم يُخلع عليه من الرحمات ما لا يُخلع على غيره، ودونك الحديث المعتبر الذي رواه إسماعيل بن الإمام موسى بن جعفر، عن أخيه الإمام علي بن موسى الرضا عن أبيه، عن جدّه قال: سُـئل علي بن الحسين عليهم السلام: ما بال المتهجّدين بالليل من أحسن الناس وجهاً؟.. قال عليه السلام: “لأنهم خلوا بالله، فكساهم الله من نوره”[1]، ونثنّي برواية ابن عمّار عن مولانا الإمام أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: “صلاة الليل تُحسّن الوجه، وتُحسّن الخلق، وتُطيّب الريح، وتدرّ الرزق، وتقضي الدين، وتُذهب بالهمّ، وتجلو البصر”[2]، ولتبيان كثرة هذه الآثار الحميدة نقول روى يعقوب بن زيد، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: “كذب من زعم أنّه يُصلّي صلاة الليل وهو يجوع، إنّ صلاة الليل تضمن رزق النهار”[3]، وروى عبد لله بن سنان، أنّه سأل الصادق عليه السلام عن قول الله عزّ وجلّ: ﴿سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ﴾[4]؟ قال: “هو السهر في الصلاة”[5]، وروى مولانا الإمام الصادق، عن آبائه عليهم السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام : “لو يعلم المصلّي ما يغشاه من جلال الله. ما سرّه أن يرفع رأسه من السجود”[6]، وكذلك روى باقر العلوم عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “إذا قام العبد المؤمن في صلاته نظر الله إليه. أو قال أقبل الله عليه حتى ينصرف وأظلّته الرحمة من فوق رأسه إلى أُفق السماء، والملائكة تحفّه من حوله إلى أُفق السماء، ووكّل الله به ملكاً قائماً على رأسه يقول له: أيّها المصلّي لو تعلم من ينظر إليك ومن تُناجي ما التفتّ ولا زلت من موضعك أبداً”[7]، ويكفي لأهل المعرفة هذا الحديث الشريف. فما في إقبال الحقّ هذا إلى العبد من الكرامات والأنوار لا يعلمه غير الله ولا تستقيم له عقول البشر، ولا يخطر على قلب أحد[8].
قربان الأتقياء، دار المعارف الإسلامية الثقافية
[1] الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج8، 157، 39 – باب تأكد استحباب المواظبة على صلاة الليل… ص: 145
[2] المصدر السابق.
[3] البرقي، المحاسن، ج1، ص 53، باب (61): ثواب صلاة الليل.
[4] سورة الحجرات، الآية 29.
[5] الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج1، ص 471، باب ثواب صلاة الليل.
[6] الشيخ الصدوق محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي، الخصال، ج2، ص 610.
[7] ثقة الإسلام الكليني، الكافي، ج3، ص264، ط – الإسلامية، باب فضل الصلاة.
[8] الإمام الخميني، سر الصلاة، الفصل الخامس: في كيفية تحصيل حضور القلب