في السیرة الإمام موسى الـكاظم /
كانت السيدة المعصومة اختاً للإمام الرضا لامه ، فأمهما واحدة (1).
فمن كانت امهما ؟ وكيف اختارها الإمام الكاظم لتكون أمّاً لاولاده ؟
هذا ما ستقراه في الحديث التالي : ـ
قال الإمام الكاظم ( عليه السلام ) لهشام بن احمد (2) : هل علمت احدا من اهل المغرب قدم ؟
قال : لا .
قال (عليه السّلام) : بلى قد قدم رجل أحمر (3) ، فانطلق بنا .
قال هشام : فركب وركبنا معه حتى انتهينا إلى الرجل ، فإذا رجل من أهل المغرب معه رقيق (4).
فقال ( عليه السلام ) : أعرض علينا (5) .
فعرض علينا تسع جوار ، كل ذلك وأبو الحسن يقول له : لا حاجة لي فيها .
ثم قال له : اعرض علينا .
قال : ما عندي شيء .
فقال ( عليه السلام ) : بلى ، اعرض علينا .
قال : لا والله ! ما عندي إلا جارية مريضة .
فقال له : ما عليك أن تعرضها ؟
فأبى عليه صاحب الرقيق ، ثم انصرف ( عليه السلام ) .
قال هشام : ثم إنه ( عليه السلام ) أرسلني من الغد إليه . .
وقال لي : قل له كم غايتك فيها ؟ فإذا قال : كذا وكذا . فقُل : قد أخذتها .
( قال هشام : ) .
فاتيتُه . . .
قلتُ : كم غايتُك فيها ؟
فقال : ما أريد أن اُنقصها من كذا (6) .
فقلت : قد أخذتها .
فقال : هي لك ، ولكن مَن الرجل الذي كان معك بالأمس ؟
فقلت : رجل من بني هاشم .
فقلت : من نقبائهم (7) .
فقال : أريد اكثر .
فقلت : ما عندي اكثر من هذا .
فقال : أخبرك عن هذه الوصيفة (8) ؟ إنّي اشتريتها من اقصى بلاد المغرب ، فلقيتني امرأه من أهل الكتاب . .
فقالت : ما هذه الوصيفة معك ؟
فقلت : اشتريتها لنفسي .
فقالت : ما ينبغي أن تكون هذه الوصيفة عند مثلك ! ! إن هذه الجارية ينبغي أن تكون عند خير أهل الارض ، فلا تلبث عنده إلا قليلاً حتى تلد منه علاماً يدين له شرق الارض وغربها .
قال هشام : فأتيت الإمام ( عليه السلام ) بالجارية (9) .
وكانت لهذه الجارية عدة اسماء منها : نجمة وتكتم (10) .
وقد كانت بكراً حين شرائها (11) .
والظاهر أن الإمام ( عليه السلام ) اشتراها ـ ابتداءً ـ لامّه حميدة المصفّاة .
وكانت السيدة تُكتم من أفضل النساء في عقلها ودينها وإعظامها لمولاتها حميدة حتى انها ما جلست بين يديها إجلالاً لها (12).
ثم إن السيدة حميدة ذكرت انّها رأت في المنام رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلّم ) يقول لها : يا حميدة ! هبي نجمة لابنك موسى ، فإنّه سيولد له منها خير أهل الارض (13) .
فقالت لابنها موسى ( عليه السلام ) : يا بني ! إن تُكتم جارية ما رايت جارية قط افضل منها . . . وقد وهبتها لك (14) .
فقالت لابنها موسى ( عليه السلام ) ـ لمّا أتى بها ـ قد جمع أصحابه وأخبرهم بأنّه ما اشتراها الا بامر من الله ووحيه . .
قال (عليه السّلام) : بينا انا نائم ، إذا أتاني جدّي رسول الله وأبي ( عليهما السلام ) ومعهما شقّة حرير (15) ، فنشراها فإذا قميص وفيه صورة هذه الجارية .
فقالا : يا موسى ! ليكونن لك من هذه الجارية خير اهل الارض بعدك .
ثم أمراني أن أسمه عليا .
وقالا لي : إن الله تعالى يظهر به العدل والرافة ، طوبى لمن صدقه وويل لمن عاداه وجحده (16) .
ولما ولدت (السيدة تكتم) الامام الرضا ( عليه السلام ) قالت : اعينوني بمرضعة ! ! فقيل لها : انقص الدر (17) ؟
قالت : ما أكذب .
ما نقص الدّر ، ولكن علي ورد (18) من صلاتي وتسبيحي . وقد نقص منذ ولدت (19) .
وهذا مما يدل على حرصها على عبادتها ووردها وانقطاعها إلى الله تعالى .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- دلائل الامامة : ص 309 .
2- هشام بن أحمد : من أصحاب الإمام الكاظم ( عليه السلام ) ولعلّه هشام بن أحمر وصُحف كما في أصول الكافي : ج1 ص 486 ح1 ، حيث ذكر نفس هذا الحديث .
3- أي رجل أحمر البشرة ، وهو عادة لون بشرة بعض أهل المغرب وما والاها من أوربا .
4- أي عبيد أو جواري أو كليهما .
5- أي أعرض علينا ما عندك من الرقيق .
6- أي لا اريد أن تنقص قيمة الجارية عن المبلغ الكذائي .
7- فلما سمع النخاس ذلك طمع في مزيد من المال .
8- قد يكون بمعنى الاستفهام وقد يكون بمعنى الإخبار ولعل الثاني اظهر . أي : أريد ان اخبرك عن هذه الوصيفة . والوصيفة هنا أي الجارية .
9- عيون أخبار الرضا : ج1 بص 17 .
10- المصدر السابق : ج1 ص 16 ، ص 17 .
11- المصدر السابق : ج1 ص 17 .
12- عيون أخبار الرضا : ج1 بص 14 .
13- عيون اخبار الرضا : ص 17 .
14- المصدر السابق : ص 14 .
15- أي قطعة حرير .
16- إثبات الوصيّة : ص 170 .
17- أي : هل نقص لبن الرضاع ؟
18- الورد : أي المندوب والمستحب في مقابل الواجب ، وجمعه أوراد .
19- عيون اخبار الرضا : ج1 ص15 .