Search
Close this search box.

هل كان الإمام الحسين ثائراً؟!

هل كان الإمام الحسين ثائراً؟!

عندما نتأمل في التاريخ الإسلامي بعد واقعة كربلاء الأليمة نجد أن العديد من الثورات ضد الحكم الأموي وبعدها ضد الحكم العباسي قد انطلقت بشعار: يا لثارات الحسين. وبغض النظر عن تقييم تلك الثورات، ينتابني سؤال مهم: هل كان الإمام الحسين (علیه السلام) ثائراً؟

إن هذا التساؤل يوجهنا ناحية الهدف الأساس الذي من أجله نهض الإمام الحسين (علیه السلام)، فهل كانت نهضته المباركة لإعلان الحرب، وإسقاط النظام الأموي، وبعد الانتصار يتربع الإمام على عرش السلطة؟ أم أن نهضة الإمام الحسين (علیه السلام) كانت تحمل اتّجاهاً آخر مختلفاً تماماً عن ذلك؟

إن عنوان ”الثورة الحسينية“ يلقي بظلاله على ذلك الاتّجاه الذي تشبّث به الكثير من الثوّار في التاريخ القديم والحديث، وهو باعتقادي أبعد ما يكون عن الهدف الأسمى الذي من أجله نهض الإمام الحسين (علیه السلام).

ولو سلّطنا الضوء على واقعنا المعاصر نجد أن الثورات التي شهدناها كان هدفها الأساس وشعارها الجوهري هو إسقاط النظام السياسي القائم، ولكننا في نهضة الإمام الحسين (علیه السلام) وخطاباته الكثيرة لم نشهد أيّ خطابٍ أو شعارٍ يقضي بإسقاط النظام السياسي القائم.

إضافة لذلك فإن الثورات تتجه تلقائياً للمواجهة والصدام، بينما في نهضة الإمام الحسين (علیه السلام) نجده كان حريصاً أشد الحرص لتجنب الصدام ما استطاع لذلك سبيلاً.

وأيضاً نجد في الثورات تغليباً للمصالح الشخصية على حساب المصالح العامة، بينما في نهضة الإمام الحسين (علیه السلام) نجده مدافعاً عن مصالح الأمة قاطبة، وحين فُرضت عليه المواجهة، ضرب للأمة درساً من أعظم الدروس في تجنيب أنصاره وأهل بيته شراسة المواجهة، فطلب منهم التخلي عنه وأعطاهم الرخصة من أنفسهم وقال لهم: «هذا الّليلُ قد غشيكم فاتّخذوه جَمَلاً، وليأخُذ كلُ رجلٍ منكم بيد رجل من أهل بيتي، وتفرّقوا في سَوادِكم ومدائنكم حتّى يُفرجَ الله، فإنَّ القومَ إنما يطلبونني ولو أصابوني لَهوا عن طلب غيري».

إننا حين نقرأ عاشوراء ينبغي أن نقرأها باعتبارها نهضة لرفض الظلم، وليست ثورة لإسقاط النظام، فالإمام الحسين (علیه السلام) لم يخرج إلى العراق من أجل الحرب ولا سفك الدماء، نعم إن رفضه للخضوع للطاغي يزيد حمل القوم على محاربته فسالت الدماء الطاهرة في أرض كربلاء المقدسة، إلا أن ذلك لم يكن هو الهدف الأساس الذي من أجله نهض الإمام الحسين (علیه السلام).

إن الإمام الحسين (علیه السلام) كان يحمل على عاتقه رسالة السماء التي أرسى دعائمها جده المصطفى (صلى الله عليه وآله)، وحمل ثقلها بعد ذلك أمير المؤمنين (علیه السلام)، ومن بعده الإمام الحسن (علیه السلام)، والإمام الحسين (علیه السلام) هو الامتداد الرسالي في هذه السلسلة الطاهرة، فكان لابد أن يقف هذا الموقف حتى لو تعرض للقتل بتلك الطريقة المفجعة من عصابةٍ لم تعرف للدين بل للإنسانية أي معنى.

وهنا نقف وقفة تأمل مع الأمل المنتظر فهل هو يأتي ثائراً، محارباً كما هي الثقافة السائدة التي زُرعت في عقولنا؛ إنني وبكل ثقة أقول: كلا؛ فالإمام المهدي (عجل الله فرجه) كجده الإمام الحسين (علیه السلام) ليس ثائراً، وإنما هو امتدادٌ لتلك السلالة المطهرة التي حملت رسالة السماء.

نعم إنه في سبيل هذه الرسالة ستسيل دماء طاهرة، ولا شكّ في ذلك؛ إلا أن الهدف الأساس ليس الحرب ولا القتال، بل الهدف الأساس هو تحقيق رسالة السماء بنشر العدل والقسط في ربوع العالم أجمع، ولو تأملنا أحاديث الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله)، وروايات الأئمة الطاهرين عن الإمام المهدي (عجل الله فرجه) نجد هذا المعنى واضحاً وجلياً. ومن ذلك ما قاله رسول الله (صلى الله عليه وآله): «أبشروا بالمهدي – قالها ثلاثاً – يخرج على حين اختلاف من الناس وزلزال شديد، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً».

ولذا ينبغي علينا أن نصحح هذا المفهوم لنهضة الإمام الحسين (علیه السلام)، ليتضح لنا الدور الأساس للإمام المهدي (عجل الله فرجه) فنعي جيداً ذلك الدور الأهم للإمام المهدي (عجل الله فرجه)، فندرك حينها الدور الأساس المطلوب منا كأمةٍ تؤمن برسول السماء (صلى الله عليه وآله) وبأهل بيته الطاهرين (علیهم السلام)، بأن الهدف الأساس للرسالة السماوية ليس في المواجهة والحرب وإنما في إصلاح الأرض التي فسدت بفعل الظالمين والخانعين على مر التاريخ، وإقامة العدل بعد استفحال الظلم والجور؛ وهذا الهدف كان واضحاً وجلياً في خطاب الإمام الحسين (علیه السلام) حين كان يُعرّف الأمة عن سبب نهضته المباركة، فهو لم يكن ثائراً ولا ثوريّاً بل كان مصلحاً، يقول: «إِنّى لَمْ أَخْرُجْ أَشِرًا وَلا بَطَرًا، وَلا مُفْسِدًا وَلا ظالِمًا، وَإِنَّما خَرَجْتُ لِطَلَبِ الإصْلاحِ في أُمَّةِ جَدّي، أُريدُ أَنْ آمُرَ بِالْمَعْرُوفِ وَأَنْهى عَنِ الْمُنْكَرِ، وَأَسيرَ بِسيرَةِ جَدّي وَأَبي».

وهنا نتساءل: لماذا نعى الإمام الحسين (علیه السلام) نفسه قبل الخروج من مكة؟ ألا يعني ذلك أنه يقود ثورة؟

بالتأكيد، كلا؛ فالإمام الحسين (علیه السلام) لمعرفته برعونة يزيد والشراذمة الذين يلتفون حوله يعلم أن هؤلاء لا يمنعهم مانع من إراقة الدماء في سبيل إخماد صوت الحق والعدالة، حتى وإن كانت دماء سيد شباب أهل الجنة وسبط المصطفى (صلى الله عليه وآله).

والآن لنتساءل بتأمل: ماذا لو وصل الإمام الحسين (علیه السلام) إلى الكوفة قبل عبيد الله بن زياد، وبايعه كلُّ من بايع مسلم بن عقيل، وقام النعمان بن بشير طواعيةً بتسليم قصر الإمارة للإمام الحسين، وأصبحت القوة بيد الإمام الحسين (علیه السلام)، ترى كيف ستسير الأمور؟ وهل سيكون هناك عنوان ثورة لنهضة الإمام الحسين (علیه السلام)؛ أم أن العنوان سيبقى ناصعاً أمام الجميع بأنها نهضة إصلاح، ومسيرة حياة؟

ولنتأمل بعمق أكبر، ونضع تساؤلاً أدنى رتبةً من التساؤل السابق: ماذا لو تراجع يزيد عن إصراره بأخذ البيعة من الإمام الحسين (علیه السلام)، وترك الإمام الحسين (علیه السلام) وشأنه، فماذا سيكون حينها موقف الإمام الحسين (علیه السلام) ؟ وماذا بشأن نهضته المباركة؟ فهل سيتغير عنوانها الواضح بأن الإمام نهض لرفض الظلم وعدم الخنوع ليزيد؟ ليعطي بذلك درساً للأجيال بأن يمتلكون الوعي الذي من خلاله يتحركون في واقعهم؟ ثم ألن يكون ذلك مانعاً من إطلاق مصطلح الثورة على هذه النهضة المباركة، رغم أن واقعها لم يتغير بتغير المعطيات فهي كانت وستبقى نهضة إصلاحية تحمل رسالة سماوية؟

إن تغيير مفهوم النهضة الحسينية ليكون بعيداً كل البعد عن طابع الثورة من شأنه أن يوجه الأجيال المعاصرة والقادمة إلى حقيقة الدور الذي نهض من أجله الإمام الحسين (علیه السلام) لتتمثله الأجيال في واقعها ومستقبلها أملاً في التمهيد للظهور الشريف لمولانا صاحب العصر والزمان (عجل الله تعالی فرجه الشریف).

تركي مكي العجيان

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل