بمناسبة ذکری ایام انطلاق نهضة الامام الحسین (ع)، ننقل لكم افكار و اراء عدد من الشخصیات الفکریة والثقافیة الاسلامیة، من جنسیات مختلفة، فيما تحدثوا حول اثر نهضة الامام الحسين(ع) في الثقافة الاسلامية
اثر نهضة الامام الحسین (ع) في الثقافة الاسلامیة
الدکتور نجف قلي حبیبي ـ الجمهوریة الاسلامیة:
کانت الثقافة الحسینیة ولازالت هي الاساس في ثقافة الثورة الاسلامیة المعاصرة، بمعنی لا وجود لثقافة ثوریة بلا ثقاف حسینیة، وکان الامام الخمیني (رض) یستند في بیاناته وخطاباته وفي حثه الناس الی الصبر والمقاومة والتضحیة باحداث عاشوراء.
وبسبب امتداد عاشوراء في نفوس المسلمین، والحب الذي یکنه المسلمون الی الامام الحسین (ع)، فقد اکد الامام الخمیني کثیراً علی احیاء الروح الحسینیة، والاستفاده من هذه القوة الکامنة في اعماق الناس للإطاحة بعرض الظلم.
لذلک نشاهد في خطاب الامام (رض) لفظة «حسینیو العصر»، وکذلک نشاهد التأثیر الذي ترکه احیاء روح وثقافة عاشوراء في المجتمع، من خلال الشعارات التي کان الشباب یطلقونها عند توجههم نحو جبهات الدفاع المقدس، مثل نداء «ألا هل من ناصر حسیني … لبیک یا خمیني»، وهذا یبیّن الارتباط بعاشوراء. فالاستجابة الی الامام الخمیني (رض) هي استجابة لنداء الحسین (ع) یوم عاشوراء. حیث قال: «هل من ناصر ینصرني». فقد درّب وعلّم الامام الخمیني (رض) المجتمع علی مفاهیم ملحمة عاشوراء.
الاستاذ محمد جواد الصاحبي ـ الجمهوریة الاسلامیة:
ذکری الامام الحسین(ع) هي ذکر واسشعار للتوحید، والقیم الانسانیة والاسلامیة، فعندما یکون الکلام عن الإمام الحسین(ع)، فهو کلام عن التضحیة والایثار والجهاد في سبیل الله. وهو التوحید بمعناه الاصیل والخالص والحقیقي، إذن فکربلاء وعاشوراء لیستا منفصلتین عن الاسلام والمعارف الاسلامیة. و علی مدی تاریخ الاسلام نشاهد کثیرا من الناس وعوا وقاموا ضد الظلم ینشرون الاصلاح بوحي من عاشوراء وشعاراتها ومواقفها، أتصوّر أنّ الثورة الاسلامیة ایضاً کانت واحدة من المصادیق التي لمسنا فیها روح عاشوراء و تأثیراتها.
الدکتور غلام تقي ـ باکستان:
یقول احد شعراء اللغة الاوردیة ما مضمونه: ما الاسلام الّا ضربة بید الله و سجدة شبیریة. و شبیر هو سید الشهداء (ع)، إذن ما الاسلام الا ثورة الحسین(ع). لانها هي التي قاومت الانحراف، وارست قواعد الاسلام الحقیقي والصحیح، فصارت معلماً لکل ناشد حقیقة، ولکل ثائر ضد الظلم و الانحراف.
الشیخ علی الکوراني ـ لبنان:
الثقافة الحسینیة أو ثقافة عاشوراء یعني مجموعة الافکار والعواطف والاعمال، التي تکونت تجاه قضیة الامام الحسین (ع) وهذه التأثیر کلیاً في مجری التاریخ الاسلامي، اثرت فیما مضی، وتؤثر في الحاضر وستؤثر اکثر في المستقبل. وذلک لان ثقافة عاشوراء یمکن ان تقول إنها عصارة الثقافة الاسلامیة النابضة، سواءً في حیویة العقیدة أو في حیویة الافکار والاحاسیس أو في الفاعلیة من الناحیة الجهادیة، والاستشهادیة، مجموعة ابعاد اجتمعت في ثقافة کربلاء، في ثقافة عاشوراء، فیما قدمه الامام الحسین (ع) في عواطف الناس والاجیال من بعده. ویکفي أن نعرف ان باب الثورة علی الظلم کاد أن یکون مقفلاً في زمن الامام الحسین (ع) ففتحه. وکل ثورة علی الظلم في تأریخنا الاسلامي وفي حاضرنا هي مدینة للامام الحسین (ع). والذین ثاروا علی الظلم بسبب وبآخر متأثرون بثورة الامام الحسین (ع).
کما ان ارفع واعمق ادب اسلامي قیل هو الادب الناتج عن ثورة الامام الحسین (ع)، سواءً کان بالعربیة او الترکیة او بالفارسیة او بالاردیة او باللغات الاخری، التي تفاعلت مع ثورة الامام الحسین(ع) وثقافة عاشوراء، باعتقادي انه سیتنامی تأثیر ثقافة عاشوراء في الامة. و ما نراه الیوم من تضحیة شباب مدرسة الامام الحسین (ع) و الامام الخمیني (رض) في جنوب لبنان و في داخل فلسطین و في مناطق اخری، هو برکة من برکات هذه الثقافة العاشورائیة المقدسة. و سیتنامی ذلک حتی ظهور الامام المهدي (عج).
الشیخ محمد توفیق المقداد ـ لبنان:
لاشک ان ثورة الامام الحسین (ع) شکّلت منعطفاً اساسیاً وبارزاً في مسیرة الاسلام ککل علی المستوی الثقافي والعقائدي والاجتماعي.
فعلی المستوی الاجتماعي التزم المسلمون بالاهداف التي کانت تنشدها وتصبو الی تحقیقها الثورة الحسینیة، فدفعوا في سبیلها التضحیات الکثیرة عبر القرون والعصور، وحافظوا علی تراث الثورة لتبقی دائماً رمزاً للجهاد والتمسک بالاصالة والمبدئیة والرسالیة، في مقابل المنطق التبریري، الذي ذهب الیه قسم آخر من المسلمین من اجل الهروب من المسؤولیة تجاه هذا الدین. من هنا نحن نعتقد اعتقاداً جازماً أنّ ثورة الامام الحسین (ع) لعبت دوراً اساسیاً وبارزاً في بقاء الاسلام نقیاً، بعیداً عن التحریف وعن التزییف، و بعیداً عن الارتهان الی السلطة الحاکمة والظالمة.
ثورة الامام الحسین (ع) وضعت الحد الفاصل بین الاصالة و التریر، بین المبدئیة والوصولیة. ولهذا تمسک اتباع اهل البیت (ع) بإقامة مجلس الاحیاء علی مرّ العصور والاجیال.
و اذا لم یتمکنوا في السابق من ان یلعبوا دوراً کبیراً علی مستوی تغییر وضع الامة الاسلامیة، فانهم الیوم لعبوا هذا الدور من خلال تحوّل کل التأثیر الکربلائي والعاشورائي في ثقافة الاسلام الی عمل جهادي وعمل نظامي وحرکي وفعل ثوري من خلال قدرة امام الامة الراحل، الامام الخمیني (رض) علی توظیف ذلک التراکم الکمّي الهائل من الانفعال الثوري الناتج عن کربلاء الحسین (ع). لیفجر به ثوري اسلامیة في هذا الزمن، ویبني من خلال ذلک دولة اسلامیة علی طریقة الحسین وطریقة اهل البیت(ع). وهذه الثورة وهذه الجمهوریة الاسلامیة القائمة حالیاً، لعبت ایضاً من خلال تجذّرها یوماً بعد یوم دوراً کبیراً علی مستوی اعادة المسلمین الی الاسلام، وزرع الوعي الرسالي والروح الحسینیة من جدید في نفوس ابناء الامة. لهذا نحن نعتقد ـ کما قال الامام الخمیني (رض) ـ بأن کل ما لدینا هو من عاشوراء، وهيِ کلمة اصابت کبد الحقیقة. فلو لا ثورة الامام الحسین (ع) لما بقي الاسلام، حتی لو فرضنا ان الامام الحسین (ع) کان قد عارض بغیر هذه الطریقة التي عارض بها، وادت الی قتله واستشهاده مع مجموعة خیّرة من اهل بیت النبي (ص) ومجموعة کریمة من اصحابه (رض)، لو لم تکن المعارضة بهذا الشکل لأدی تسلط الامویین ایضاً الی اندثار الاسلام. لکن اتجاه کربلاء وحدوثها بهذه الطریقة، هو الذي ادی لتؤثر هذه الثورة اثرها البالغ في الاسلام في الحضارة الاسلامیة علی مرّ العصور. وهي التي تلعب الیوم دوراً کبیراً في بناء الاجیال الإسلامیة الثوریة المجاهدة، التي نعوّل علیها في انقاذ الامة من هذا الواقع الالیم الذي تتخبط فیه.
الدکتور أنور الحسیني ـ بنغلادیش:
خلف کل ثورة في العالم عقیدة؛ ثورة بریطانیا في سنة 1688 م التي قلّصت الملکیة الحصینة، کان لدیها الثقل العقائدي من قبل «جون لوک».
وثورة فرنسا في عام 1789 م غیر المتوقعة ابداً، کانت خلیفتها تتمثل بوجود مفکرین مثل «روسو، مونتسکیو» وبقیة الموسوعیین.
الثورة البلشفیة في عام 1917 م التي ادت الی سقوط الملکیة بقیادة تعمل في المنفی، کانت لها القاعدة الفکریة في کتاب «داس کابیتال» المهشورة لـ «کارل مارکس».
کل ثورة من هذه الثورات قادها اشخاص تشرّبوا من روح ایدیولوجیة معینة.
اما بالنسبة للثورة الاسلامیة الایرانیة، فقد کانت خلفیتها الاسلام من خلال طرح ایدیولوجي کُرّست فیه استراتیجیة عاشوراء و تحریض الجماهیر لتحقیق الهدف النبیل.
فالامام الخمیني، نقل عاشوراء من عزاء شعائري الی فلسفة نضال دینامیکیة لدیها قوة برکانیة تجاهد الجور والظلم. فثورة عاشوراء جلبت الناس ودفعتهم الی الاعتراض والنضال والتحرک الی الامام بفکر مستقل لم یسبق له مثیل في التاریخ الایراني.
ولفهم هذه الظاهرة نحتاج الی ان ندخل بعمق في مفهوم ومضمون عاشوراء ونحن الآن في هذه المطاف. لقد اندمجت الثورة الاسلامیة الایرانیة مع عاشوراء معنویاً وتفصیلیاً.
والمسلمون، وخاصة اتباع اهل البیت (ع) في ارجاء المعمورة، عرفوا شهر محرم الخاص بالامام الحسین (ع) و عرفوا ایضاً عاشوراء الحسین(ع).
وفي تأریخهم، ظلت عاشوراء تملأ جانب من النظام الاعتقادي لدیهم. والحقیقة ان الامام الحسین (ع) صنع هذا الیوم في هذه الحرب التي نال الشهادة بها وان الشیعة لا تری هذه حقیقة عادیة في التاریخ. یوم عاشوراء یُری کحقیقة مدروسة وادامة لمعنی روحي.
انا بعنوان مراقب سیاسي للثورة الایرانیة، کتبت عن شخصیة الامام الحسین و قلت بانها تجلّي کل ایمان البشریة عند مواجهة القوة الظالمة والقاهرة، ولهذا فانها لیست قضیة ذکری حدث معین في تاریخ البشریة.
ان المشارکین في عزاء عاشوراء یبکون لأجل الحسین (ع) ویعارضون في الوقت نفسه وجود الجور والفساد في العالم و في الوقت نفسه یصلحون اعتقادهم من اجل نیل الاخلاق الفاضلة وانتصارها علی الأخلاق الشریرة والعدالة علی الظلم و الایمان علی الکفر.
روح عاشوراء و معنویة شهادة الحسین (ع) ظهرت في مراحل الثورة الاسلامیة نفسها في ایران. وهذه کلها تجلت اکثر في هتافات رفعتها الجماهیر التعبویة مراراً ضد الشاه.
من هذه الهتافات، کانت تردد في کل یوم: «کل یوم عاشوراء وکل ارض کربلاء». ان فلسفة عاشوراء دائماً تندب المسلم للمشارکة في جبهة القتال. قتال من اجل اهداف العدالة والشرع ضد قوی الظلم والعداون، وقد تظافرت مع روح عاشوراء احاسیس رفض اتباع اهل البیت (ع) للوقائع السیاسیة الموجودة.
ان عاشوراء استراتیجیة محددة وتطبیق غیر مساوم لرفض الوضع الراهن، واستبداله بوضع اکثر عدالة وفاعلیة وتطابقاً مع الاسلام ورسالة في الحیاة.