كان مسلم بن عقيل (ابن عم الامام الحسين عليه السلام)، من أشجع بني عقيل وأرجلهم، فقد كان أحد قيادات ميمنة جيش أمير المؤمنين علي (عليه السلام) في معركة صفين، وهو الذي قابل جموع أهل الكوفة وحده من دون أن يعينه أحد، فأشاع فيهم القتل، ولمّا جيء به أسيراً على عبيد الله ابن زياد (لعنه الله) لم يظهر عليه أي ذل أو انكسار.
قال الخوارزمي: سار الامام الحسين (عليه السلام) حتى بلغ منطقة زرود، فلقي رجلا على راحلة له وكان الامام (ع) وقف ينتظره، فلما رأى الرجل ذلك عدل عن الطريق فتركه الحسين (ع) ومضى، قال عبد الله بن سليمان والمنذر بن المشمعل الأسديان: (كنا نساير الحسين (ع)، فلما رأينا الحسين (ع) وقف للرجل والرجل عدل عن طريقه، لحقنا بالرجل فسلمنا عليه فرد علينا السّلام، فقلنا: ممن الرجل قال: أسدي، قلنا: ونحن أسديان، ما الخبر؟ قال: الخبر أن مسلم بن عقيل (رض) وهاني بن عروة (رض) قد قتلا، ورأيتهما يجرّان في السوق بأرجلهما).
الثعلبية: ذكر الشيخ المفيد أن الأسديّين (عبد الله والمنذر) قالا: فأقبلنا حتى لحقنا الحسين (ع) فسايرناه حتى نزل منطقة الثعلبية ممسياً فجئناه حين نزل، فسلمنا عليه فرد علينا السلام فقلنا له: رحمك الله، ان عندنا خبراً ان شئت حدثناك علانيةً وان شئت سراً فنظر إلينا وإلى اصحابه ثم قال (ع): ما دون هؤلاء سر، فقلنا له: أرأيت الراكب الذي استقبلته عشي أمس؟ قال (ع): نعم، وقد أردت مسألته، فقلنا قد والله استبرأنا لك خبره وكفيناك مسألته، وهو امرؤ منا ذو رأي وصدق وعقل، وانه حدثنا انه لم يخرج من الكوفة حتى قُتل مسلم وهاني ورآهما يجران في السوق بأرجلهما فقال (ع): انا لله وانا إليه راجعون، رحمة الله عليهما، يردد ذلك مراراً.
فقلنا له: ننشدك الله في نفسك وأهل بيتك الاّ انصرفت من مكانك هذا، فانه ليس لك بالكوفة ناصر ولا شيعة، بل نتخوف أن يكونوا عليك، فنظر الى بني عقيل فقال (ع): ما ترون فقد قتل مسلم، فقالوا: والله لا نرجع حتى نصيب ثارنا أو نذوق ما ذاق، فأقبل علينا الحسين (ع) وقال: لا خير في العيش بعد هؤلاء، فعلمنا أنه قد عزم رأيه على المسير.
فقلنا له: خار الله لك، فقال (ع): رحمكما الله.
قال السيد ابن طاووس: (قال الراوي: نزل الامام الحسين (ع) الثعلبية وقت الظهيرة فوضع رأسه فرقد، ثم استيقظ فقال (ع): قد رأيت هاتفاً يقول: انتم تسرعون والمنايا تسرع بكم إلى الجنة، فقال له ابنه علي (الاكبر): يا أبه أفلسنا على الحق؟ فقال (ع): بلى يا بُني، والله الذي إليه مرجع العباد فقال: يا أبه اذن لا نبالي بالموت، فقال الحسين (ع): جزاك الله يا بني خيرا ما جزى ولداً عن والده).
الشقوق: قال ابن شهر آشوب: (لما نزل الامام الحسين (ع) منطقة الشقوق أتاه رجل فسأله عن العراق فأخبره بحاله، فقال: ان الأمر لله يفعل ما يشاء، وربنا تبارك كل يوم هو في شأن. فان نزل القضاء فالحمد لله على نعمائه وهو المستعان على أداء الشكر، وان حال القضاء دون الرجاء فلم يبعد من الحق نيته، ثم أنشد (ع):
فان تكن الدنيا تعد نفيسة *** فدار ثواب الله أعلى وأنبل
وان تكن الأموال للترك جمعها *** فما بال متروك به الحر يبخل
وان تكن الأرزاق قسماً مقدراً *** فقلة حرص المرء في الكسب اجمل
وان تكن الأبدان للموت انشئت *** فقتل امرىء بالسيف في الله أفضل
عليكم سلام الله يا آل أحمد *** فاني أراني عنكم سوف أرحل
وكان الامام الحسين (ع) سرحه إلى “مسلم بن عقيل (رض) من الطريق أخيه من الرضاعة “عبد الله بن يقطر (رض)”، وهو لا يدري انه قد أصيب، فتلقاه خيل “الحصين بن نمير (لعنه الله)” بالقادسية فسرح به إلى “عبيد الله ابن زياد (لعنه الله). فقال: اصعد فوق القصر فالعن الكذاب ابن الكذاب، ثم أنزل حتى أرى فيك رأيي، قال: فصعد، فلما أشرف على الناس قال: أيها الناس، اني رسول الحسين ابن فاطمة بنت رسول الله (ص) لتنصروه وتوازروه على ابن مرجانة ابن سمية الدعي، فأمر به عبيد الله فألقي من فوق القصر إلى الأرض، فكسرت عظامه، وبقي به رمق، فأتاه رجل يقال له عبد الملك بن عمير اللخمي فذبحه.
وكان الامام الحسين (ع) لا يمر بأهل ماء إلا اتبعوه حتى إذا انتهى إلى منطقة زبالة سقط إليه خبر مقتل (مسلم بن عقيل وهاني بن عروة وعبد الله بن يقطر) رضوان الله عليهم، فأخرج للناس كتابا فقرأ عليهم: بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد؛ فقد أتانا خبر فضيع! قتل مسلم بن عقيل وهاني بن عروة وعبد الله بن يقطر، وقد خذلتنا شيعتنا، فمن أحب منكم الانصراف فلينصرف، ليس عليه منا ذمام، فتفرق الناس عنه تفرقا، فأخذوا يمينا وشمالا، حتى بقي في أصحابه الذين جاؤوا معه من المدينة ويريدون مواساة الامام (ع) والموت معه.