في السیرة الإمام الحسن المجتبى, السیرة الإمام الحســـين /
وردت روايات متواترة ومستفيضة عن رسول الله (ص) تنص على التمسك بالكتاب والعترة الطاهرة ومنها: الرواية الشاملة لهما ولسائر أهل البيت (ع)، وهي:
قوله (ص): (إنّي تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلّوا بعدي أحدهما أعظم من الآخر كتاب الله… وعترتي أهل بيتي ولن يتفرقا حتّى يردا عليّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما)(1) .
والتمسك بهم يدل دلالة واضحة على مرجعيتهم العلمية، فرسول الله (ص) لا يأمر بالتمسك بمن لا يتصف بالعلم والمعرفة والإدراك، وهنالك دلالة واضحة في كثير من الروايات ومنها:
قوله (ص): (ألا إنّ مثلَ أهل بيتي فيكم مثلُ سفينة نوح… من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق)(2) .
والنجاة المتحققة بالتمسك بأهل البيت والاقتداء بهم والأخذ بتعاليمهم: تعني أنّهم مرجعية علمية للمسلمين، وبهذه الصفة هم ملاك النجاة، والدعوة للاقتداء بأهل البيت مع عدم اتصافهم بالمرجعية العلمية تغرير بالقبيح وهو محال على رسول الله (ص) .
والمقصود بأهل البيت: هم أهل بيت رسول الله (ص) وهم: علي وفاطمة والحسن والحسين(ع) كما دلّت على ذلك الروايات المستفيضة، وكما ورد في تفسير آية التطهير(3) .
وفي الواقع العملي كان الحسن والحسين مهوى أفئدة المسلمين وكانا مرجعين لعموم المسلمين ولخصوص الفقهاء والعلماء.
فكان الحسن (ع) يجلس في مسجد رسول الله (ص) ويجتمع الناس حوله فيتكلم بما يشفي غليل السائلين ويقطع حجج المجادلين(4) .
وقد وصفه وأخاه الحسين الخليفة الثالث قائلاً: فطموا العلم فطماً وحازوا الخير والحكمة(5) .
واستفتى أعرابي عبد الله بن الزبير وعمرو بن عثمان، فأشارا عليه بالحسن والحسين(6) .
كتب إليه الحسن البصري: (أما بعد فإنّكم معشر بني هاشم الفلك الجارية، واللجج الغامرة والأعلام الشاهرة، أو كسفينة نوح (ع) التي نزلها المؤمنون ونجا فيها المسلمون)(7) .
وقال فيه الحافظ إسماعيل بن كثير: (أحد علماء الصحابة وحلمائهم وذوي آرائهم)(8) .
وقال فيه خير الدين الزركلي: (كان عاقلاً حليماً محباً للخير فصيحاً من أحسن الناس منطقاً وبديهة، وكان معاوية يوصي أصحابه باجتناب محاورة رجلين هما: الحسن بن عليّ وعبد الله بن عبّاس، لقوة بداهتهما)(9) .
وحدّث عنه المئات من الصحابة والتابعين، ومنهم عائشة أم المؤمنين، كما هو مدون في كتب التاريخ والتراجم (10) .
وأمّا الحسين (ع) فكان أفضل أهل زمانه في العلم والمعرفة بالكتاب والسنة (11) .
فقد تلقى العلم عن أبيه عن جدّه رسول الله (ص) وكان يحدث عنهما وعن أمه فاطمة (س) .
قال فيه الخليفة الثاني: فإنّما أنبت ما ترى في رؤوسنا الله ثم أنتم(12) .
وقال فيه محمّد بن الحنفية: إنّ الحسين أعلمنا علماً وأثقلنا حلماً(13) .
ووصفه يزيد بن مسعود النهشلي قائلاً: ذو الشرف الأصيل والرأي الأثيل، له فضل لا يوصف، وعلم لا ينزف(14) .
وكان الإمام عليّ (ع) يوجّه السائلين إليه ليجيبهم عن أسئلتهم في مختلف جوانب العلم والمعرفة(15) .
وذكر القاضي النعمان في شرح الأخبار بالإسناد عن عبادة بن الصامت، ورواه جماعة عن غيره: سأل أعرابي أبا بكر فقال: إني أصبت بيض نعام فشويته وأكلته وأنا محرم فما يجب عليّ ؟
فقال له: يا أعرابي أشكلت عليّ في قضيتك، فدله على عمر، ودله عمر على عبد الرحمن، فلما عجزوا قالوا: عليك بالأصلع، فقال أمير المؤمنين: سل أي الغلامين شئت.
فقال الحسن: يا أعرابي ألك إبل؟ قال: نعم، قال: فاعمد إلى عدد ما أكلت من البيض نوقاً فاضربهن بالفحول، فما فضل منها فأهده إلى بيت الله العتيق الذي حججت إليه.
فقال أمير المؤمنين: إنّ من النوق السلوب ومنها ما يزلق.
قال: إن يكن من النوق السلوب وما يزلق فإنّ من البيض ما يمرق(16) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)- سنن الترمذي 5: 663.
(2) -المستدرك على الصحيحين 3: 151، مجمع الزوائد 9: 168.
(3)- جامع البيان 6: 22، الدر المنثور 6: 603. ولمزيد الاطلاع مراجعة كتاب: أهل البيت، إصدار مؤسسة البلاغ، الملاحق رقم 1، 2، استفيدت من مئات المصادر.
(4)- الفصول المهمة: 155، نور الأبصار: 173.
(5)- الخصال 1: 136.
(6)- عوالم الإمام الحسن 16: 98.
(7)- تحف العقول: 166.
(8)- البداية والنهاية 8 : 16.
(9)- الأعلام 1: 230.
(10)- سير أعلام النبلاء 3: 246، ترجمة الإمام الحسن من تاريخ دمشق: 165.
(11)- الكواكب الدرية 1: 58.
(12)- الإصابة 1: 333.
(13)- بحار الأنوار 44/176 ، عن أعلام الورى: 1/423.
(14)- أعيان الشيعة 4: 195.
(15)- معاني الأخبار: 401.
(16)- مناقب آل أبي طالب ـ لابن شهر آشوب: ج4، ص13.