حبيب بن مظاهر الأسدي (رض)، من خاصة أصحاب أمير المؤمنين علي (علیه السلام) ومن أوائل الكوفيين الذين كتبوا للإمام الحسين (علیه السلام) بعد هلاك معاوية بن ابی سفیان الاموی يدعونه للقدوم إليهم، فلمّا استشهد مسلم بن عقيل وهاني بن عروة (رضوان الله عليهما) اختفى مدّة، ثمّ التحق بالحسين (ع) في كربلاء.
سيرة حبيب
حبيب بن مظاهر الأسدي تذكره المصادر بأنه كان عابداً ورعا تقيا ومراعيا لحدود الله تعالى، حافظا للقرآن الكريم وكان شريف قومه، نزل الكوفة، وصحب أمير المؤمنين عليا (ع) في حروبه كلها، وكان من خاصته وحملة علومه.إذ تعلم منه علم المنايا والبلايا، وكان من رجال شرطة الخميس المدافعين عن أمير المؤمنين (ع).
حبيب في الكوفة
لما بلغ أهل الكوفة هلاك معاوية اجتمع المؤمنون في منزل سليمان بن صَرَدْ الخزاعى فذكروا هلاك معاوية فحمدوا الله وأثنوا عليه، وكتبوا الى الحسين (ع): ((بسم الله الرحمن الرحيم للحسين بن علي عليهما السلام من سليمان بن صرد، والمسيب بن نجية، ورفاعة بن شداد البجلى، وحبيب بن مظاهر، وشيعته المؤمنين والمسلمين من أهل الكوفة، سلام عليك فانا نحمد اليك الله الذي لا اله إلا هو، اما بعد فالحمد لله الذى قصم عدوك الجبار العنيد… إنّه ليس علينا إمام فاقبل لعل الله أن يجمعنا بك على الحق)).
ولما ورد مسلم بن عقيل (رض) الكوفة رسولا عن الامام الحسين (ع) نزل دار المختار بن أبي عبيد الثقفي، وأقبلت شيعة الامام علي (ع) تختلف اليه، فجعل الأسديان (حبيب بن مظاهر ومسلم بن عوسجة) يأخذان البيعة للحسين (ع)، حتى إذا دخلها “عبيد الله بن زياد” (لعنه الله) حاكما من قبل السلطة الاموية المتمثلة بيزيد بن معاوية (لعنه الله) اتخذ سياسة الترهيب والترغيب، فصلب عشرة من خواص الامام علي (ع) واودع السجن العشرات من أعيان الشيعة، فتخاذل أهل الكوفة عن مسلم (رض)، فيما اختفي (حبيب ومسلم) عن ازلام شرطة بن زياد، فلما ورد الحسين (ع) كربلاء خرجا اليه مختفيين يسيران الليل و يكمنان النهار حتى وصلا اليه.
حبيب في كربلاء
لمّا رأى حبيب قلة أنصار الحسين (ع) قال للامام (ع): إن هاهنا حيّا من بني أسد فلو أذنت لي لسرت إليهم ودعوتهم إلى نصرتك لعل الله أن يهديهم وأن يدفع بهم عنك! فاذن له الحسين (ع) فسار إليهم حتى وافاهم فجلس في ناديهم ووعظهم وقال في كلامه: يا بني أسد قد جئتكم بخير ما أتى به رائد قومه، هذا الحسين بن علي أمير المؤمنين وابن فاطمة بنت رسول الله (سلام الله عليهم اجمعين) وقد نزل بين ظهرانيكم في عصابة من المؤمنين، وقد أطافت به اعداؤه ليقتلوه، فاتيتكم لتمنعوه وتحفظوا حرمة رسول الله فيه… [فخرجوا معه] فعارضهم عمر بن سعد (لعنه الله) ليلا ومانعهم فلم يمتنعوا فقاتلهم، فلما علموا أن لا طاقة لهم بهم تراجعوا في ظلام الليل، وعاد حبيب إلى الحسين (ع) فأخبره بما كان، فقال عليه السلام: “وما تشاؤون الا ان يشاء الله” ولا حول ولا قوة إلا بالله.
حبيب في عصر التاسع من محرّم
روى الطبري: لما زحف ابن سعد إلى الحسين (ع) يوم التاسع من المحرم، أتاهم العباس (ع) في نحو من عشرين فارسا فيهم: زهير بن القين وحبيب بن مظاهر… فقال لهم حبيب: أما والله لبئس القوم عند الله غدا قوم يقدمون عليه قد قتلوا ذرّية نبيّه وعترته وأهل بيته وعباد أهل هذا المصر المتهجدين بالأسحار والذاكرين الله كثيراً..
حبيب في ليلة العاشر من محرم
خرج الحسين (ع) في جوف ليلة العاشر من محرم إلى خارج الخيام يتفقد التلاع والعقبات، تبعه “نافع بن هلال البجلي (رض)”… ثم رجع الامام (ع) وهو قابض على يد نافع، ثم دخل (ع) خيمة السيدة زينب بنت أمير المؤمنين (عليهما السلام) ووقف “نافع” بإزاء الخيمة ينتظره، فسمع زينب (ع) تقول للامام (ع): (هل استعلمت من أصحابك نياتهم فإني أخشى أن يسلموك عند الوثبة).
قال نافع: (فلما سمعت هذا منها بكيت وأتيت حبيب بن مظاهر وحكيت ما سمعت من زينب). قال حبيب: (والله لولا انتظار أمره لعاجلتهم بسيفي هذه الليلة)، ثم قال حبيب لاصحابه: (هلموا معي لنواجه النسوة ونطيب خاطرهن)، فجاء حبيب ومعه أصحابه وصاح: (يا معشر حرائر رسول الله هذه صوارم فتيانكم آلوا ألا يغمدوها إلا في رقاب من يريد السوء فيكم، وهذه أسنّة غلمانكم أقسموا ألا يركزوها إلا في صدور من يفرق ناديكم).
حبيب في يوم العاشر من محرم
في صباح العاشر من المحرم جعل الإمام الحسين عليه السلام زهير بن القين على الميمنة، وحبيب بن مظاهر على الميسرة ووقف في القلب وأعطى الراية لأخيه العباس. ودعا الإمام الحسين (ع) براحلته فركبها ونادى بصوت عال يسمعه جلهم: (أيها الناس اسمعوا قولي ولا تعجلوا حتى أعظكم بما هو حق لكم عليّ…. أو لم يبلغكم قول رسول الله (ص) لي ولأخي: هذان سيدا شباب أهل الجنة؟!) رد عليه الشمر قائلا: هو يعبد الله على حرف إن كان يدري ما يقول! فقال له حبيب بن مظاهر: (والله إنّي أراك تعبد الله على سبعين حرفا وأنا أشهد أنّك صادق ما تدري ما يقول قد طبع الله على قلبك).
حبيب في الميدان
برز حبيب بن مظاهر الأسدي الى ساحة المعركة وهو يرتجز:
أقسم لو كنّا لكم أعدادا *** أو شطركم ولّيتم أكتادا
يا شرّ قوم حسباً وآدا
ثمّ قاتل القوم فأخذ يحمل عليهم بسيفه وهو يقول:
أنا حبيب وأبي مظاهر فارس هيجاء وحرب تسعر
أنتم أعد عدّة وأكثر ونحن أوفي منكم وأصبر
ونحن أعلى حجّة وأظهر حقاً وأتقى منكم وأعذر
وقاتل قتالا شديداً، ثم حمل عليه “بُديل بن صُرَيم” فطعنه فذهب ليقوم فضربه “الحصين بن نمير” على أمّ رأسه بالسيف فوقع ونزل بديل فاحتز رأسه وأخذه فعلقه في عنق فرسه، فهد مقتله الحسين (ع)، فقال: عند الله أحتسب نفسي وحماة أصحابي.
حبيب وأخواه
وذكر المؤرخ أبو محنف: أنه كان لحبيب بن مظاهر الأسدي أخوان استشهدا مع الحسين (ع) هما يزيد وعلي إبنا مظاهر، وحين قال الامام (ع) لأصحابه: (ألا ومن كان في رحله أمرأة فلينصرف بها إلى أهلها( .. قام “علي بن مظاهر الاسدي” وقال: ولماذا يا سيدي ؟
فقال (ع): أن نسائي ستسبى بعد قتلي وأخاف على نسائكم من السبي.
فمضى علي إلى خيمته وأخبر زوجته بذلك فقالت له: وما تريد أن تصنع ؟ قال: قومي حتى ألحقك بأهلك فقالت له: لا والله أنتم تواسون الرجال ونحن نواسي النساء، فرجع علي وهو يقول للحسين (ع): أبت الاسدية إلا مواساتكم فجزاهم الحسين (ع) خيراً.
مرقد حبيب بن مظاهر
لحبيب ين مظاهر الأسدي (رض) ضريحا خاصا مميزا عن ضريح شهداء اصحاب الحسين (ع)، حيث قبره في الرواق الشرقي من الروضة الحسينية المقدسة.
((مِنَ المُؤمِنينَ رِجالٌ صَدَقوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيهِ ۖ فَمِنهُم مَن قَضىٰ نَحبَهُ وَمِنهُم مَن يَنتَظِرُ ۖ وَما بَدَّلوا تَبديلًا))﴿سورة الاحزاب المباركة:آية۲۳﴾