نشاهد في الأفلام ونقرأ في القصص أنه عندما يهاجم العدو ويقتحم، تدبّ الحمية ويبادر أي شخص عادي يصيبه الحماس ]والغيرة[ ويتوجه ليقاتل العدو. فهل كل هؤلاء من النوابغ؟ هل أن كل المقاتلين في المعارك والحروب التي وقعت طوال التاريخ الذين برزوا لقتال أعدائهم وثبتوا إلى أن قتلوا، هل كل هؤلاء نوابغ؟ لا، فهؤلاء من الناس العاديين. فليس كل ذلك الحماس والحمية نبوغًا، سواء ما يأتي دفعة واحدة وينتهي أو ما يستمر أو كل ما يأتي بتبعه.
ليس هذا النوع من الاستقامة هو ما نذكره في حق الإمام الحسين عليه السلام. فاستقامة الامام الحسين عليه السلام هي في محلّ آخر. إذ ليس المقصود من استقامته (عليه السلام) في يوم عاشوراء، أن يتلقى السيوف لتبلغ جراح جسده الشريف سبعين جرحًا ونيفًا[1]. ليست هذه من نوع الاستقامة التي ننشدها وللإمام الحسين العظيم (عليه السلام). أجل! فكل جندي شجاع باستطاعته القيام بمثل هذا العمل.
إن استقامة الامام الحسين هي كما ترون في عمله، تكمن [في أنه مقبل] على طفل كعلي الأصغر مفتق النحر من شدة العطش، وعند سيدة مبجلة كزينب عليها السلام تُضرب بسياط عتاة الكوفة، تخرج أسيرة، يسلبونها جلبابها وحجابها وربما حليها وقلائدها! فكر في ذلك! هل بإمكانك لو كنت في هذا الموقف، وقالوا لك: “حسنٌ جدا! أنت شجاع، تريد الجهاد والمواجهة، لك ذلك، لكن انظر بأي ثمن وقيمة!” فكم سيكون بمقدورك أن تظهر من الاستقامة؟ هنا في هذا الموقف بعينه تعرف الاستقامة الحسينية.
الاستقامة الحسينية هي أنه عندما يُعرف الهدف ويُشخّص ويقيّم ويعلم حجم قيمته وعظمتها فيصمد من أجله، في الوقت الذي ترتعد فرائص الأشخاص العاديين وأصحاب الكرم والشجاعة والنخوة وكرام الناس. لو كان هناك شخص آخر مكان الامام الحسين عليه السلام لوقف وقال: أنا في النهاية مستعد للتضحية بنفسي في هذا الطريق، لكن هنا في هذه الصحراء وفي هذا العطش، كيف لي الوقوف وفي البين طفل رضيع وسيدة مكرمة..؟![2] (28/2/1377)
تارة يقال للمرء: لا تسلك هذا الطريق لأنك قد تتعرض للتعذيب والألم. فالإنسان القوي يقول: إني سالك هذا الطريق! ولا ضير في ذلك. وتارة يقال لآخر: لا تسلك هذا المسلك لعلك تُقتل. ترى الإنسان الفذ يقول: إنّي سالكه ولا أبالي بالقتل. ولكن تارة أخرى قد لا يقتصر الحديث على مجرد القتل والتعذيب والحرمان، بل يقال: لا تذهب، فقد يُقتل على أثر حركتك هذه عدد من الناس. وهنا يُعرض على بساط البحث موضوع أرواح الآخرين، فيقال له: لا تَسِر في هذا الطريق، فمن المحتمل أن يواجه الكثير من النساء والرجال والأطفال مصاعب جمّة وعنتًا كبيرًا من جرّاء مسيرك هذا، وإن أرواح الناس هنا على المحك، وهنا ترتعد فرائص الذين لا يبالون بالقتل [المقبلون على الموت، فكيف بغيرهم]، أمّا الذين لا ترتعد فرائصهم، فهم أوّلًا: في أعلى درجة من البصيرة وعلى بيّنة من ضخامة العمل الذي يؤدونه.
وثانيًا: لهم من قوة النفس [الصبر] ما لا يتسرب الوهن إليها. وهاتان الميزتان تجلّتا في شخص الإمام الحسين (عليه السلام) في كربلاء. لذلك كانت واقعة كربلاء كشمس سطعت في دياجي التاريخ، وهي ما انفكت ساطعة وستبقى كذلك أبد الدهر[3].
الاستقامة والبصيرة، مقتطف من كلمات سماحة الإمام القائد السيد علي الخامنئي (دام ظله) حول البصيرة والاستقامة
[1] – تاريخ الطبري، ج4، ص346،الامالي، الطوسي، صص676-677، بحار الانوار، ج45، ص57.
[2] – كلمته في لقاء الهيئة المشرفة على إقامة مراسم ذكرى رحيل الامام الخميني، 28/2/1377- 18/4/1998
[3] – كلمته في جموع غفيرة من زوار مرقد الإمام الخميني، 14/3/1375 ش.