إن علم الغيب الذي اختص به الأنبياء والأئمة المعصومون سلام الله عليهم يعد أحد القنوات الأخرى لمعرفة الحقيقة.
فنبي الإسلام الأكرم (صلى الله عليه وآله)، وأئمة الحق، كشفوا، بعلم الغيب، الكثير من الأسرار الكامنة، وعلموا البشرية علوماً مختلفة، وحولوا كثيراً من مجهولات البشر الفكرية والعقائدية والعلمية الى معرفة صحيحة ويقين، وأوضحوا ماهية المستقبل والتفكير فيه، وتحدثوا عن الماضي بالقدر الذي ينفع في نضج الإنسان وتكامله، وفسروا القرآن، كلام الله، بما يلبي حاجات كل عصر وزمان، وشرحوا المبادىء والخطوط العامة التي يحتاج اليها الانسان مع الإجابات الشافية لكل التساؤلات بوضوح ويسر.
والدور القيم الآخر الذي يؤديه علم الغيب يتمثل في تصحيح معطيات الحواس والعقل البشري، أي اننا محتاجون الى علم الغيب في استخدام قنوات معرفة الحقيقة وتوظيف الحواس والعقل، وذلك لكي نستطيع التقويم بشكل صحيح، ونفكر بصورة سليمة، ونتعرف على الحق، إذ يقول الإمام علي عليه السلام: “أَيَها النّاسُ، سَلُوني قَبلَ أَنْ تَفقدُونِي فَلأنا بِطُرُقِ السَّماءِ أَعلَمُ مِنّي بِطُرُقِ الأرضِ” ([1]).
فحين يكون الإمام العالم بالغيب وبالأسرار الكامنة في الكون، الى جانب الانسان ليأخذ بيده ويطلعه على حقائق نظام الوجود، لن يكون هناك أي انحراف أو اعوجاج فكري.
وها هم شيعة العالم اليوم يستفيدون من المصدر الهائل المتمثل في أحاديث أهل البيت عليهم السلام وهي أساس الفقه والتفقه واستنباط أحكام الله، وقد حرمت سائر المذاهب والطوائف من هذه الثروة العظيمة التي يعد “نهج البلاغة” جزءاً منها.
يقول الإمام علي عليه السلام في مواقف أئمة الحق: “… لا يُخالِفُونَ الحَقّ وَلا يَختَلِفُونَ فِيهِ، وَهُم دَعائِمُ الإسلامِ، وَوَلائجُ الإعتِصامِ، بِهِمْ عَادَ الحَقّ الى نِصابِهِ، وَانزاحَ الباطِلُ عَن مُقامِهِ”([2]).
لقد أشار الإمام في هذه العبارات الرائعة الى عدة نقاط مهمة هي:
أ- لما كان أئمتنا معصومين، ولا يعانون من عقبات باطنية، فانهم لا يخالفون الحق، والحق معهم وهم مع الحق أبداً. نحن نعلم أن المرء ليس قادراً على استنباط كل شيء من القران الكريم دون الاستعانة بعالم به، وبأحاديث رسول الإسلام الأكرم، وبتفسير الأئمة المعصومين عليهم السلام يقول الإمام عليه السلام: “إنّ الله سُبحانَهُ أَنْزَلَ كِتاباً هادِياً بَيَّنَ فِيهِ الخَيرَ والشَّرَّ فُخُذوا نَهجَ الخيرِ تَهتَدُوا”([3]).
ومن الواضح أن عامة الناس عاجزون عن الاستفادة من أي كتاب علمي تخصصي دون الاستعانة بخبير من أهل ذلك العلم، لذا فقد قَرنَ رسول الإسلام الأكرم (صلى الله عليه وآله) في حديث الثقلين الشهير القرآن الكريم بالأئمة المعصومين في قوله صلى الله عليه وآله وسلم: “إني تاركٌ فيكُمُ الثَّقَلَينِ، كِتابَ اللّهِ وَعِترَتي”([4]).
وخلاصة القول: لو أن طلاب الحق والحقيقة، نظروا نظرة صحيحة الى حقائق نظام الخلق الحق ثم قاموا بتقويمها تقويماً صحيحاً في ظل الوحي وعلوم أهل البيت عليهم السلام، بالاستعانة بما منحهم الله من قوة الفكر والعقل، واستفادوا أفضل الاستفادة من سبل المعرفة وقنواتها الأخرى، وأزالوا عن طريقهم العقبات الباطنية والخارجية، لتمكنوا من معرفة الحق والحقيقة، ولم يختلفوا فيهما، ولتجنبوا الوقوع في أي خطأ أو زلل ولم تخل نتائج بحوثهم من ثمرة، ولم يضيعوا سنين طوالاً يؤيدون الفرضيات الباطلة، بل لحثوا الخطى على الطريق القويم.
الحق والباطل في نهج البلاغة، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
([1])الخطبة 189
([2])الخطبة 239
([3]) الخطبة 167
([4]) سنن البيهقي: 2/148