قال الله عزّ وجلّ في محكم كتابه العزيز: (( وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا ۚ قَالُوا أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ ۚ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ ۖ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ )) (سورة البقرة المباركة: الآية 247).
الدولة الاسلامية…مباديء و خصائص … القيادة للامثل بعد المعصومين
1- التفسير بإيجاز للمقطع الاول من الآية الكريمة (وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا ۚ قَالُوا أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ ۚ): طلب بنو إسرائيل من نبيهم صموئيل أن يجعل لهم ملكا عليهم ليقود جيشا لمحاربة أعدائهم، فأوحى الله تعالى له ان يجعل طالوت وهو سبط “بنيامين” ملكا عليهم، وقال لهم ان الله هو الذي اختاره لكم، غير أنهم اعترضوا لأنه ليس من أبناء “يهودا” أولا، وكان عاملا فقيرا وليس غنيا ثانيا، وذلك حسب نظرتهم للملك ومواصفاته.
2- بعض ما يتم طرحه من مصطلحات قرآنية لها معناها الخاص في القرآن الكريم، لهذا يجب فهمها ضمن اللغة القرآنية وليس ضمن ما درجنا عليه اليوم في فهم تلك المصطلحات، وعليه لابد من عدم الخلط في ما بينها وبين ما يذكره القران الكريم، منها كلمة “الملك” اذ لها معنى مغاير في اذهننا اليوم ونسعى الإشارة اليها في حينها.
3- هناك تقسيمات حول أنواع الحكومات في الكتب السياسية لا مجال للدخول في شرح تفصيلها، إلا أن ما يهمنا هنا في هذا الموضوع الاشارة الى نوعين من الحكومات قد تدخل ضمنيا في معنى الآية المذكورة وهي تمثل فعلا ما هو واقع من الحكومة تاريخيا او حاليا وهما حكومة الأغنياء والأثرياء او ما يصطلح عليه بالراسماليين في العالم و حكومة ما يصطلح عليها بالحكومة الإشرافية او الارستقراطية.
4- نرى أن اليهود من بني إسرائيل يؤكدون على نبيهم في طلبهم على ان يكون الملك من الذين لهم أموال طائلة او ذوي ثروة واسعة، فهم إذن أشبه ما يكونون بما يصطلح عليهم بما ذكرناه ، اذ ربطوا الشرف والرئاسة بالمال، ولا يمكن اعتبار الفقير من الإشراف ولا يمكن ان يتقلد القيادة او الرئاسة .
ثم أنهم وضعوا ميزة أخرى لمن يجب ان يكون ملكا هي أشبه ما تكون بفكرة الحكومة الارستقراطية التي تفترض نوعا من الذكاء والادعاء الروحي، وذلك بناءا على المسالة النسبية (ونحن أحق بالملك منه) لأن نسبهم يعود إلى “يهودا” ذي الفكر المتميز .
5- يأتي جواب السماء على لسان نبيهم: أن الملك او القائد انما هو اختيار من الله وما عليهم الا الطاعة والاستجابة. وطبعا فإن هذا الأمر لم يات اعتباطا، حاشا لله بل هو اختبار حكيم يستند إلى مواصفات قيادية مطلوبة من شجاعة وقوة وإخلاص وقدرة على أداء المهمة الصعبة في الحرب والصبر في التصدي ومقارعة الأعداء حتى النصر، وذلك لضمان نجاح العمل العسكري هذا .
6- ثم ان هذا الاختبار إنما يعتبر ردا مباشرا على كل من يريد أن يجعل منصب الملك او القائد حسب هواه وحسب المواصفات المزعومة لليهود، وهي مواصفات واهمة ولا تؤدي الى احقاق الحق ولا الى ابطال باطل، وان هكذا منصب لا يمكن ان يؤدي حقه شخص لمجرد انه متمول ثري، او ما يصطلح عليه اليوم رجل مستثمر راسمالي، ولا شخص ارستقراطي قد ورث نوعا من الحالة الإشرافية لمجرد انتماء عائلي دون النظر إلى المواصفات المطلوبة في القائد .
في الحلقة القادمة (رؤى سياسية قرانية.. ح 16) سنبين بشكل تفصيلي مواصفات القيادة وما يجب ان تكون عليه وذلك في حال عدم وجود الأنبياء والأئمة المختارين من قبل الله وهم المعصومون من ارتكاب الخطايا والذنوب او الظلم . وان القيادة انما تكون للامثل من بعدهم وبشروط ومواصفات مهمة تتناسب ومتطلبات هذا المركز الحساس.
و الحمد لله رب العالمين
علي العلوي / قم المقدسة