Search
Close this search box.

حول واقعة كربلاء

حول واقعة كربلاء

لقد أدرك الحسين (عليه السلام) أن القوم لن يتركوه وشأنه، ولم يكن له أن يسكت، على ما فعلته الأمة من تنصيب يزيد، فإن السكوت أو المبايعة يعني شرعنة الحكم الظالم في الإسلام، ويكون ذلك حجة على جميع أتباع الحسين (عليه السلام) فضلا عمن سواهم من المسلمين، خصوصا وأن أمر يزيد في الفسق والفجور قد اشتهر بين المسلمين، حتى غلب عليه لقب “يزيد القرود”، وهذا أحد الفروق المهمة بينه وبين أبيه معاوية، الذي ولي حكم الشام بأمر عمر بن الخطاب، وكان قد حاز رضى أبي بكر منذ البداية، وقد استطاع بمكره ودهائه أن يلبس الأمور على المسلمين، ويحاول إظهار نفسه بمظهر الصحابي الحريص عليهم، وهو ما لم يتوفر أي شيء منه في ولده يزيد.

وقد اقترب موسم الحج فأعلن الحسين (عليه السلام) الخروج من البيت الحرام، إعلاما للناس بحركته، وداعيا من أراد اللحاق به، والجهاد في سبيل الله، وإصلاح الأمة من ناحية، ولكي لا يسفك دمه وتهتك حرمة البيت الحرام من ناحية أخرى. وبعدما وصلت إليه آلاف الرسائل من أهل العراق، خرج بعياله وأهل بيته من مكة المكرمة إلى العراق، يوم الثلاثاء يوم التروية، وهو اليوم الثامن من ذي الحجة، ومعه اثنان وثمانون رجلا من شيعته وأهل بيته أي حينما اجتمع المسلمون من كافة أنحاء البلاد الإسلامية في الحج، وإذ من الطبيعي أن يقصده الناس من كل حدب وصوب، للإستفادة منه، والاتصال به، وهم يعرفون مكانته من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وموقعه من هذا الدين، فكان خروجه، في هذا الوقت بالذات، بمثابة زلزال يصيب المسلمين، على المستوى النفسي، ليتساءلوا عن سبب خروجه من مكة في هذا الوقت بالذات، ويدفعهم للاستماع لصوت الحق، وهذا يعني إلقاء الحجة على الجميع دون استثناء، بحيث لا يبقى عذر لمعتذر، فيما بعد، إذا قصّر في نصرة الإمام (عليه السلام).

فلما كان في بعض الطريق لقيه رجل من أهل الكوفة، يكنى أبا هرة الأزدي، فسلم عليه، وقال له: يا ابن بنت رسول الله! ما الذي أخرجك عن حرم الله وحرم جدك محمد (صلى الله عليه وآله)؟

فأفصح له الحسين (عليه السلام) عن حقيقة الأمر، وأن بني أمية قد ضيقوا عليه من كافة الجوانب، وأرادوا إذلاله، وإذلال المسلمين، وقال له: يا أبا هرة! إن بني أمية أخذوا ما لي فصبرت، وشتموا عرضي فصبرت، وطلبوا دمي فهربت، وأيم الله يا أبا هرة لتقتلني الفئة الباغية، وليلبسهم الله ذلا شاملا وسيفا قاطعا، وليسلطن الله عليهم من يذلهم حتى يكونوا أذل من قوم سبأ([1])..

وهو بذلك يؤكد ما كان أجاب به عبد الله بن جعفر، عندما كتب إليه أن لا يذهب إلى العراق، لأنهم سيقتلوه، ويخشى بذلك أن يطفئ نور الأرض، وهو روح الهدى وأمير المؤمنين، فكتب الحسين (عليه السلام) في جوابه: “… وأعلمك أني رأيت جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) في منامي فخبرني بأمر وأنا ماض له، لي كان أو علي، والله يا ابن عمي لو كنت في جحر هامة من هوام الأرض لاستخرجوني ويقتلوني، والله يا ابن عمي ليعدين علي كما عدت اليهود على السبت”([2]).

وفي رسالة جوابية بعث بها عبد الله بن عباس إلى يزيد بن معاوية، يبين فيها أنه كان دس رجاله ليغتالوا الحسين (عليه السلام) في مكة المكرمة، فخرج منها حتى لا تنتهك حرمة البيت بدمه، يقول ابن عباس: “وما أنس من الأشياء، فلست بناس اطرادك الحسين بن علي من حرم رسول الله إلى حرم الله، ودسك إليه الرجال تغتاله، فأشخصته من حرم الله إلى الكوفة، فخرج منها خائفا يترقب،….”([3]).

وأخيراً.. وبعدما وصل إلى كربلاء، واجتمع الناس ضده من الذين أرسلوا إليه الرسائل الكثيرة، يرجونه فيها القدوم عليهم، وأنه لا إمام لهم سواه، وانضموا إلى معسكر عبيد الله بن زياد، وكانوا من قبل قتلوا مسلما وهاني بن عروة، وقتلوا الحسين وأصحابه وأهل بيته، وسلبوهم وقطعوا رأس الحسين (عليه السلام) ورؤوس بعض أهل بيته، وأرسلوا به إلى يزيد لعنه الله، وكانت أعظم مصيبة ابتليت بها الأمة الإسلامية في تاريخها الطويل، ولكنها أدت إلى قيام الثورات ضد الحكم الأموي، مما أدى إلى زواله عن صفحة الوجود.

وعندما قتل الحسين (عليه السلام) كانت أول صارخة في المدينة أم المؤمنين أم سلمة فقد كان أعطاها رسول الله (صلى الله عليه وآله) قارورة فيها تربة، وقال لها: إن جبريل أعلمني أن أمتي تقتل الحسين، وأعطاني هذه التربة، وقال لي: إذا صارت دما عبيطا فاعلمي أن الحسين قد قتل، وكانت عندها، فلما حضر ذلك الوقت جعلت تنظر إلى القارورة في كل ساعة، فلما رأتها قد صارت دما صاحت: واحسيناه! وابن رسول الله! وتصارخت النساء من كل ناحية، حتى ارتفعت المدينة بالرجة التي ما سمع بمثلها قط([4]).

سماحة الشيخ حاتم اسماعيل

([1]) الفتوح، ج5، ص123 ـ 124.
([2]) الفتوح، ج5، ص116.
([3]) تاريخ اليعقوبي، ج2، ص249.
([4]) تاريخ اليعقوبي، ج2، ص245 ـ 246.

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل