هو السيد موسى بن صدر الدين بن إسماعيل بن صدر الدين بن صالح شرف الدين من بلدة “شحور” العاملية، من عائلة يمتد نسبها إلى الإمام موسى الكاظم عليه السلام.
تعرض جد العائلة “صالح شرف الدين” للاضطهاد والتنكيل من قِبَل أحمد الجزار، أسوة بأهالي جبل عامل وعلمائه، الذين ذاقوا الويلات على يد هذا الطاغية. وكان نصيب السيد صالح أن قتلوا ولده الأكبر أمام منـزل العائلة في شحور ثم قاموا باعتقاله مدة تسعة أشهر في سجون الجزار في عكّا إلى أن تمكن من الفرار إلى العراق حيث أقام في النجف الأشرف.
برزت عائلة شرف الدين، والتي عرفت لاحقاً باسم عائلة “الصدر” بين العائلات العلمية الكبرى، وتوزعت في الحواضر العلمية في النجف وقم، وحفل تاريخها بنجوم لامعة عدّت من مفاخر العالم الإسلامي.
ومن بين هؤلاء السيد موسى الصدر الذي ولد في أحد أحياء مدينة قم بتاريخ ٤-٦-۱۹۲۸م.
*******
حياته العلمية
ابتدأت حياته العلمية في سنّ مبكرة عندما التحق بمدرسة “الحياة” الابتدائية عام ۱۹۳٤م، وتابع دراسته حتى نال الشهادة الثانوية من مدرسة “سناني” في العام ۱۹٤٦م، وخلال فترة تعليمه الأكاديمي كان يتلقى الدروس الحوزوية، لكنه قرّر في العام ۱۹٤۱م أن يتفرّغ لتلك الدروس في حوزة قم، وقد امتدّت دراسته هناك لأكثر من عقد من الزمن، ما مكّنه من اجتياز مرحلة المقدمات ليحضر دروس بحث الخارج في الفقه والأصول، بالإضافة إلى الفلسفة عند أساتذة الحوزة المشهورين وعلى رأسهم الإمام الخميني والسيد أحمد الخوانساري، والسيد صدر الدين (والده)، وآية الله الداماد، والسيد محمد حسين الطباطبائي.. وغيرهم.
والملاحظ هنا أن السيد الصدر كان يُنظر إليه على أنه تلميذ نجيب فاق أقرانه، فكان يدرّس أثناء دراسته، متمتعاً بأسلوب شيّق جذاب، ما أهّله لينتـزع إعجاب طلبته، مضافاً إلى إعجاب أساتذته. كل ذلك جعله يثبت نفسه كأستاذ مميز في الحوزة العلمية خلال مدة قصيرة.
والملاحظ، أيضاً، أنه تابع دراسته الأكاديمية في الجامعة لينال شهادة الليسانس في الحقوق الاقتصادية سنة ۱۹٥۳م، ويذكر معاصروه أن عمّته “كانت أول عمامة تدخل حرم كلية الحقوق”. وخلال تلك الدراسات المتنوعة تمكّن من إتقان الفرنسية والإنكليزية، إضافة إلى العربية والفارسية.
*******
إلى النجـف
بعد وفاة والده عام ۱۹٥٤م، استأذن الإمام الصدر آية الله العظمى البروجردي قدس سره من أجل التوجه إلى جامعة النجف الأشرف، راغباً في الاستفادة من علوم أستاذتها الكبار ومراجعها العظام، وقد بقي هناك حتى عام ۱۹٥۸م، حيث حضر دروس كبار العلماء، ومنهم:
المرجع السيد محسن الحكيم، والإمام أبو القاسم الخوئي، والشيخ مرتضى آل ياسين.
وفي النجف الأشرف حافظ السيد الصدر على تفوّقه بين أقران الدراسة والمباحثة، فأدهش الجميع بذكائه ومعارفه.
بعد المرحلة النجفية عاد إلى قم حيث أسّس مع بعض إخوانه مجلة “مكتب إسلام” وتولى رئاسة تحريرها.
*******
إلى لبنـان والإنجازات
قدم السيد الصدر إلى أرض أجداده في لبنان لأول مرة سنة ۱۹٥٥م، حيث حلّ ضيفاً على المرحوم السيد عبد الحسين شرف الدين العاملي، ثم أعاد الكرّة عام ۱۹٥۷م.
وفي العام ۱۹٦۰م أتى إلى مدينة صور ليقيم فيها ويمارس وظائفه كعالم دين خلفاً للعلامة شرف الدين. ومن ذلك العام ابتدأ العمل الديني والسياسي والاجتماعي للإمام الصدر في لبنان، فأعاد هيكلة “جمعية البر والإحسان” التي أسّسها السيد شرف الدين، مروراً بإنشاء مؤسسات عامة تعنى بالشأن التربوي والمهني والصحي والاجتماعي والديني.
ومن إنجازاته تسليط الضوء على دور المرأة، وضرورة مشاركتها في الحياة العامة، ولذلك أقام دورات لمحو الأمية وغيرها من النشاطات.
ومن أهم إنجازاته، والتي تمّت بعد دراسات واستشارات وتحركات مكثّفة كان تأسيس “المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى”، الذي هدف إلى تنظيم أوضاع الطائفة الإسلامية الشيعية، محاولاً رفع الغبن اللاحق بها، وقد أقرّ مجلس النواب اللبناني قانون إنشاء المجلس في العام ۱۹٦۷م.
وفي العام ۱۹٦۹م. انتخب الإمام الصدر رئيساً لهذا المجلس، وصار يُعرف بلقب ”الإمام” ورفع لواء الدعوة والعمل، ووجّه دعوات لتوحيد الشعائر الدينية بين المذاهب الإسلامية ودعا للوحدة الوطنية، وحذّر من الخطر الصهيوني المتزايد وأكّد دعمه للمقاومة الفلسطينية، ودعا للعدالة والمساواة بين طوائف لبنان ومناطقه.
وطالب بتأسيس مجلس للجنوب لرفع الحرمان عنه ولمواجهة العدوان الصهيوني المتواصل عليه.
بعد سنوات من المطالبة والسعي لم توافق السلطة على عددٍ من مطالب الإمام الصدر فبدأ العمل الميداني، بغية تعبئة الجماهير، وصعّد حملته بمهرجانات شعبية عارمة كان أضخمها مهرجان بعلبك بتاريخ ۱۷ – ٤- ۱۹۷٤م، ثم مهرجان صور بتاريخ ٥-٥-۱۹۷٤م، وفي تلك الغمرة أعلن سماحته تأسيس “حركة المحرومين” التي رسم السيد الصدر مبادئها بالقول: “إن حركة المحرومين تنطلق من الإيمان الحقيقي بالله والإنسان وحريته الكاملة وكرامته، وهي ترفض الظلم الاجتماعي، ونظام الطائفية السياسية، وتحارب “بلا هوادة”، الاستبداد والإقطاع والتسلّط وتصنيف المواطنين، وهي حركة وطنية تتمسك بالسيادة الوطنية وبسلامة أرض الوطن، وتحارب الاستعمار والاعتداءات والمطامع التي يتعرّض لها لبنان”.
وبعد إنجازه لمشروع المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى وتأسيس مجلس الجنوب وإطلاق حركة المحرومين قام الإمام الصدر بتشكيل جناح عسكري لحركة المحرومين بهدف مواجهة العدوان الصهيوني على لبنان.
وفي عزّ عطائه وذروة تحركه اندلعت فتنة الحرب اللبنانية التي لم تميّز بين لبناني وآخر، فبادر الإمام إلى بذل المساعي والجهود للتوسط لدى الفرقاء بغية خنق الفتنة وتهدئة الوضع، وقام لهذه الغاية بتأسيس عدة لجان وتنفيذ عدة اعتصامات.
ونظراً للإنجازات المهمة التي قام بها الإمام الصدر، ولما كان يسعى إلى تحقيقه سواء على الصعيد الوطني أو على صعيد القضية الفلسطينية وغيرها، كل ذلك أكسبه مكانة مرموقة، شعر معها المتربصون بالمنطقة بالخطر على مصالحهم، فتحوّل إلى هدف لأجهزة الاستكبار التي خططت للتخلص منه والقضاء على مشروعه الكبير، فكان أن دبرت تلك الأجهزة عملية اختطافه في أواخر شهر آب/أغسطس من عام ۱۹۷۸م بعد قدومه إلى ليبيا في واحدة من رحلاته الساعية إلى وضع حد للجنون العبثي في لبنان.
قد يظنّ المستكبرون أنهم اختطفوا الصدر وقضوا على مشروعه، ولكنهم وإن كانوا قد غيّبوه جسداً ، ولكن أفكاره بقيت نبراساً تنير درب الثوار والمقاومين، في ليل هذه الأمة، فكانت المقاومة تنمو وتكبر ـ وبإسهامات من أقرانه ورواد كبار ـ فتوالت الانتصارات، حتى تحقق النصر التاريخي الكبير على الاحتلال الصهيوني وتم دحره عن جنوب لبنان في أيار ۲۰۰۰م، لتدخل الأمة بذلك في مرحلة جديدة وعهد جديد.